البث المباشر الراديو 9090
الدكتور توفيق أكليمندوس
شكَّلت آخر قرارات جورجيا ميلوني، رئيسة حكومة إيطاليا فيما يخص الشأن الأوروبي مفاجأة لعدد من المراقبين؛ صوَّت نواب حزبها في البرلمان الأوروبي ضد إعادة انتخاب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والتي نجحت على الرغم من هذا.

وكان المراقبون يتصورون أن العلاقة بينهما جيدة وتسمح لهما بتحقيق نتائج ملموسة، في ملفات الهجرة والبحر المتوسط، تفيد كل منهما وإيطاليا، وكان هناك من يري، قبل هذه القرارات، أن ميلوني ستصبح أهم لاعب في السياسات الأوروبية.

وبرر عدد من نواب حزبها هذا القرار بمعارضتهم للسياسات البيئية التي يتبناها الاتحاد، تحت رئاسة فون دير لاين. وأقنع هذا التفسير البعض ولم يقنع البعض الآخر؛ لأن الاتحاد أدخل تعديلات كثيرة علي هذه السياسات للحد من راديكاليتها؛ مراعاة منه لاعتراضات المزارعين، وهم عامة من ناخبي اليمين المحافظ الذي تنتمي إليه رئيسة المفوضية.

فاجأ تصويت آخر المراقبين وهو التصويت ضد السماح لـ أوكرانيا باستخدام أسلحة "الحلفاء" لضرب الداخل الروسي لأغراض دفاعية. دلالة هذا التصويت رمزية، ولا تأثير له علي أرض الواقع؛ لأنه تم الاتفاق علي حق كل دولة في تحديد كيفية استخدام الأسلحة التي تقوم بمنحها أو ببيعها لأوكرانيا. وإيطاليا أصلا لا تمد أوكرانيا بأسلحة قادرة علي ضرب الداخل الروسي. وعلى الرغم من هذا التصويت لا توجد مؤشرات تدل علي أن روما ستتبني موقفًا يشبه موقف بودابست.

المفاجأة ضخمة؛ لأنها لا تتفق والخط الذي تبنته ميلوني في السنوات الماضية، وهو التعاون مع بيروقراطية الاتحاد في أكبر عددٍ ممكن من الملفات، والمشاركة في إقناع حكومة المجر بتخفيف معارضتها لعدد من السياسات الأوروبية، وكان هذا التعاون ضروريا نظرا لمشكلات إيطاليا الاقتصادية والمالية وحاجتها إلي الدعم الأوروبي.

وصل الدين العام الإيطالي إلى مستوى قياسي في يونيو الماضي 2024، يقترب من 3000 مليار يورو - أي ما يعادل دين فرنسا تقريبًا، واستمر هذا الدين، الذي انخفض إلى أقل من 2700 مليار دولار في نوفمبر 2021، في الارتفاع منذ وصول جورجيا ميلوني إلى السلطة.

المؤشرات الاقتصادية معقولة جدًا دون أن تكون "عظيمة"؛ معدل تشغيل العمالة آخذ في الارتفاع، شأنها شأن الأجور الحقيقية، والتضخم أقل من المتوسط في منطقة اليورو، ولكن النمو لا يزال ضعيفا؛ حيث يتوقع بنك إيطاليا أن يصل إلى 0.6% في عام 2024 ثم 0.9% في عام 2025. وبالتالي فإن مجال mo المناورة في الميزانية للسلطة التنفيذية الإيطالية محدود.

حار المراقبون في تفسير هذا التوجه الجديد، وتساءل البعض هل لعب سلوك الكتل الرئيسة في البرلمان الأوروبي دورًا في دفع ميلوني إلي اتخاذه؟ أي هل كانت هذه الكتل حريصة علي عدم ضم حزب يميني متطرف إلي "العامود الفقري" الذي يسيطر علي مقدرات الاتحاد وسياساته؟

الأمر الذي أعطي لـ ميلوني الانطباع أن الاعتدال غير مُجدٍ. هل تصورت ميلوني أن الرئيس ترامب سيفوز بالانتخابات الأمريكية 2024 وتستعد لهذا؟! هل حسمت اعتبارات تتعلق بالسياسات الداخلية الإيطالية الموقف؟! والأهم من هذا كله، هل ستدفع إيطاليا وميلوني ثمنًا باهظًا لهذا القرار؟!

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز