البث المباشر الراديو 9090
الدكتور شحاتة غريب
مرت العلاقات المصرية التركية ببعض الأزمات خلال السنوات الأخيرة الماضية، وقد كان واردا أن تتفاقم هذه الأزمات إلى مستوى صعب، قد يعطل استخدام الفرص التنموية في البلدين، لولا الموقف الحكيم الذي تبنته القيادة السياسية المصرية منذ تولي المسئولية عام 2014، فلم يتطرق إطلاقا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى التدخل في الشئون الداخلية لتركيا، ولم تخرج كلمة واحدة تحمل أي مساس بالسيادة التركية، وقد استطاعت مصر وبحق أن تثبت لتركيا حسن النوايا بشأن كافة القضايا الإقليمية، وأن القاهرة لا يمكن أن يرد في خاطرها محاولة عرقلة أي مسيرة لأنقرة نحو التنمية.

لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أنه رغم برود العلاقات المصرية التركية في وقتها، ما فعلته مصر لتركيا انتصارا للإنسانية، عندما هز زلزال عنيف بعض الأماكن التركية في فبراير 2023، وراح ضحيته الآلاف، حيث قدمت القاهرة لأنقرة بعض المُساعدات الإنسانية، ولم تكتفِ مصر بذلك فقط، بل أرسلت وزير خارجيتها سامح شكري، وقتئذ، لزيارة تركيا، والتعرف عن قرب على ما يمكن أن تقدمه مصر للشعب التركي.

ولكل ذلك، قد حدث التقارب «المصري التركي» سريعا، وقد استطاعت الدبلوماسية المصرية والتركية أن تأخذ العلاقات بين البلدين إلى عهد جديد، وإلى مرحلة جديدة يعمل فيها كلا الجانبين على تعزيز الفرص التنموية، وإقامة المشروعات المشتركة.

وفي حقيقة الأمر، تعتبر زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى القاهرة في فبراير 2024، نقطة تحول كبيرة في عودة العلاقات المصرية التركية إلى سابق عهدها.

ولعل اتفاق كل من الزعيمين المصري والتركي على إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين يعد أمرًا مهما للغاية، وقد جعل جميع المراقبين والمحللين يضعون نقطة على سطور التوتر في العلاقات خلال الفترة الماضية، ويبد}ون سطورا جديدة تجسد الواقع الجديد للعلاقات بين البلدين، وما يحمله هذا الواقع من مؤشرات مطمئنة على مستقبل تنموي كبير، يحقق في طموحات الشعبين المصري والتركي معا.

ولعل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتركيا، الأربعاء الرابع من سبتمبر الجاري، بناء على دعوة الرئيس التركي، تشكل عهدا جديدا في مسار العلاقات «المصرية التركية»، وتحقق العديد من المكاسب لكلا البلدين، سواء كانت مكاسب سياسية أو اقتصادية.

ويُعد تدشين أول اجتماع لمجلس التعاون الاستراتيجي في أنقرة نقطة تحول واقعية في غاية الأهمية، لما في هذا الاجتماع من رسم لملامح خارطة الطريق المستقبلية بين البلدين في مجالات عديدة.

ويُمكن إبراز أهمية هذه الزيارة التاريخية على مستوى التفاهم والتوافق بشأن القضايا الإقليمية، وعلى مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، فمن ناحية الملفات الإقليمية، قد حدث تأييد تام من الجانب التركي للجانب المصري بشأن رفض ادعاءات نتنياهو بخصوص محور فيلادلفيا، وقد أعلنت الخارجية التركية صراحة أن نتنياهو يواصل أكاذيبه لخداع الرأي العام العالمي، بهدف التغطية على جرائمه ضد الفلسطينيين، كما قد أكدت أنقرة والقاهرة على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وأن ينسحب الجيش الإسرائيلي من هذا القطاع، وأن تمتثل إدارة نتنياهو للقرارات الدولية.

تطرق الزعيمان المصري والتركي لكل ما يحدث في الصومال، وتأثير التحركات الإثيوبية على أمن المنطقة، بسبب ما تخطط له مع الانفصاليين في أرض الصومال، وقد تم أيضا تناول الملف الليبي، وضرورة التكاتف، من أجل تهيئة المناخ لإجراء الانتخابات الليبية، وعودة جميع المؤسسات الليبية لإدارة شئون البلاد.

أما من ناحية العلاقات الاقتصادية بين البلدين فقد تم توقيع أكثر من 20 اتفاقية في مجالات الدفاع والطاقة والصحة والتعليم والسياحة وغير ذلك من المجالات، وتم زيادة التعاون التجاري بين البلدين، ليصل إلى 15 مليار تقريبا بدلا من 10 مليارات، وخاصة أن مصر تمثل سوقا كبيرا للمنتجات التركية.

عودة العلاقات المصرية التركية بهذا الشكل، ستكون بداية قوية لخطط تعاون شاملة، يتم وضع قواعد وآليات تنفيذها من خلال مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين، وسيعمل كل ذلك علي تحقيق التنمية الشاملة، بما يساهم في توفير الحياة الكريمة للشعبين المصري والتركي.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز