البث المباشر الراديو 9090
أحمد محمود‎
في لقاء خاص لوكالة الأنباء الصينية شينخوا مع رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، صرح بأن منتدى التعاون "الصيني - الإفريقي".. "فوكاك"، أثرى العلاقات "الصينية - الإفريقية"، وحقق نتائج مثمرة وهو أمر كان منتظرا؛ بسبب متانة العلاقات التاريخية البلدين.

ولمن لا يعلم فقد تأسس منتدى التعاون الصيني الإفريقي رسميًا عقب عقد المؤتمر الوزاري الأول للتعاون بين الصين والدول الإفريقية بالعاصمة الصينية بكين خلال الفترة من 10 إلى 12 أكتوبرعام 2000. وحضره حينها الرئيس الصيني في ذلك الوقت جيانج زيمين، ونائبه "هو جنتاو"، ورئيس الوزراء "زو رونغجي"، بالإضافة إلى رؤساء أربع دول إفريقية؛ هي الجزائر، وتوجو، وزامبيا، وتنزانيا، والأمين العام لمنظمة الاتحاد الإفريقي، إلى جانب 80 وزيرًا للشؤون الخارجية والتجارة يمثلون الصين و44 بلدا إفريقيا وممثلين عن 17 منظمة دولية وإقليمية إفريقية، كما حضره أيضًا، رجال أعمال صينيون وأفارقة.

وحول قمة منتدى التعاون "الصيني - الإفريقي" والتي انطلقت يوم الأربعاء الماضي 4 سبتمبر 2024، يتوقع الدكتور مصطفى مدبولي أن تنهض القمة بشكل أكبر بالتعاون الصيني - الإفريقي في ضوء آفاق التعاون الشاسعة والواعدة لكلا الجانبين، خصوصًا وأن المجالات التي يمكن أن تحظى بالأولوية خلال المرحلة القادمة نابعة بالأساس من التحديات المختلفة الحالية التي تشهدها القارة.

وأوضح أن إفريقيا أصبحت مدركة بشكل متزايد لخطورة هذه التحديات، ومصممة على تغيير واقعها، بحيث تصبح القارة أكثر اعتمادا على ذاتها، وخصوصًا فيما يتعلق بتلبية الاحتياجات الأساسية والغذائية لشعوبها.

أشار مدبولي، أيضًا إلى أن مصر ساهمت في السنوات الأخيرة بجانب الصين في تنمية منتدى التعاون الصيني-الأفريقي ومنتدى التعاون "الصيني - العربي"، وأضاف أن "مصر كانت من أولى الدول التي انضمت لمبادرة الحزام والطريق، كما كانت من أولى الدول التي أيدت مبادرات الصين للتنمية العالمية والأمن العالمي والحضارة العالمية"، مشيرا إلى احتفال مصر والصين هذا العام بالذكرى العاشرة لتأسيس الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.

والحقيقة، أن هذا التعاون الوثيق بين البلدين إنما يعكس التوجه المصري الواضح في سياسته الخارجية، وتبني الدولة المصرية لمفهوم العلاقات الواسعة المتعددة، التي تقوم على مبدأ عدم الانحياز، وهو المبدأ الذي صاغته مصر في الأساس، حينما سعى الزعيم الراحل جمال عبدالناصر إلى تأسيس حركة عدم الانحياز؛ إذ تأسست الحركة من 29 دولة، وهي الدول التي حضرت مؤتمر باندونج 1955، والذي يُعدّ أول تجمع منظم لدول الحركة، والتي كان لها دور كبير في دعم حركات التحرر في دول، أصبحت الآن دول ذات ثقل سياسي وصناعي وتجاري كبير على مستوى العالم ومنها الصين.

نشأت حركة عدم الانحياز وتأسست إبان انهيار النظام الاستعماري، ونضال شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وغيرها من المناطق في العالم من أجل الاستقلال، وفي ذروة الحرب الباردة، وكانت جهود الحركة، منذ الأيام الأولى لقيامها، عاملًا أساسيًا في عملية تصفية الاستعمار، والتي أدت لاحقًا إلى نجاح كثير من الدول والشعوب في الحصول على حريتها وتحقيق استقلالها، وتأسيس دول جديدة ذات سيادة، وعلى مدار تاريخها، لعبت حركة دول عدم الانحياز دورًا أساسيًا في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

ولمن لا يعلم، فإن الاهتمام الصينى بالقارة السمراء لم يكن حديثًا، وإنما بدأ منذ مؤتمر باندونج 1955، والذي مثّل فرصة سانحة للصين للتعرف على إفريقيا. وكان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أكثر قادة إفريقيا تجاوبًا مع شوان لاي، رئيس الوزراء الصيني ـ آنذاك - وفي الوقت نفسه، وجد عبد الناصر فى مؤتمر باندونج ولقاءاته مع شوان لاى، ونهرو، وسوكارنو وغيرهم، مخرَجًا مهما للخروج من الحصار المفروض على مصر، وفرصةً للانطلاق والانفتاح على العالم الآفروآسيوى. ومن هنا تم الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية، وأقامت مصر معها علاقات دبلوماسية، وأصبحت مصر النافذة وحلقة الاتصال بين جمهورية الصين الشعبية وقارة إفريقيا والدول العربية أيضًا.

بلغ حجم الاستثمارات الصينية المباشرة القائمة في إفريقيا، 40 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي، مما جعل الصين واحدة من أكبر مصادر الاستثمارات الأجنبية في القارة، ووفرت الشركات الصينية ما يزيد عن 1.1 مليون فرصة عمل في أفريقيا في السنوات الثلاث الماضية، حيث جذبت المجمعات التي استثمرت فيها الشركات الصينية، أو أنشأتها في مجالات الزراعة والتصنيع والخدمات اللوجستية للتجارة في إفريقيا، أكثر من ألف شركة وساعدت على زيادة الإيرادات الضريبية، ومكاسب العملة الأجنبية من الصادرات لإفريقيا.

وأشار رئيس الوزراء المصري إلى أنه منذ أن تأسس منتدى "فوكاك" في عام 2000، وإنجازات التعاون بين الجانبين المصري والصيني في اضطراد مستمر، حتى أصبح هذا النمو والتطور اللافت في المجالات كافة، وهي إشارة مهمة، أظن أنها توضح مدي أهمية تلك العلاقة، وهو ما يجعل هذه العلاقة الثنائية، علاقة مثمرة وذات ثقل، ويجعلها علاقة شراكة تثير التفاؤل ليس فقط لمستقبل البلدين، وإنما لمستقبل قارة إفريقيا وربما باقي دول العالم التي تسعى للخروج من الهيمنة الاقتصادية الغربية.. ولعل مصر تكون البوابة الرئيسية لتحقيق تلك الأهداف ولهذا التعاون "المريح" بين الصين ودول القارة السمراء أيضًا.

وأخيرًا، فإنني أتمنى أن يزداد التوسع في العلاقات المصرية الصينية، وأن يرتاد مجالات أكبر تتعلق بالتطور العلمي و الصناعي الهائل الذي حققته الصين، وأن تصبح مصر شريكا استراتيجيا في الأبحاث العلمية الصينية عن طريق تبادل العلماء والباحثين بين البلدين، وهو ما من شأنه أن يدفع بالبلدين الى آفاق أوسع وأرحب.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز