البث المباشر الراديو 9090
رامي زهدي
التكنولوجيا سلاح.. سلاح قوي، مؤثر، مبتكر، يصعب كثيرًا توقعه، أو مواجهته، لا سيما المواجهة التقليدية. وكما أن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة سلاح مواجهة في يد الدول، والحكومات، وأجهزتها الأمنية والمعلوماتية، هي أيضًا، أسلحة هجومية، ودفاعية في يد الجماعات الإرهابية، وأصحاب الفكر المُتطرف.

الجميع يركض في اتجاه تكنولوجيات متطورة سريعة النمو، لا تتوقف عند حدٍ معين أبدًا، في عالم مُتنامٍ من الجديد والمُتجدد، وفي كل المجالات.. التكنولوجيا تقود وتُسيطر.

بينما تشهد القارة الإفريقية تحديات أمنية معقَّدة، وصعبة، وانتشار للفكر المتطرف، والنشاط الإرهابي والإجرامي، أصبحت الجماعات الإرهابية تهديدًا بارزًا لسلامة واستقرار عديد من دول القارة، مع تطور التكنولوجيا الحديثة، أظهرت هذه الجماعات قدرة ملحوظة على توظيف التقنيات المتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، لتعزيز عملياتها واستقطاب مزيد من الأفراد.

وأصبح هناك دور كبير للتكنولوجيا في تعزيز أنشطة الجماعات الإرهابية، وأثرها على النسيج الاجتماعي والاقتصادي في إفريقيا، بينما - في المقابل - تتنامي أيضًا الجهود الحكومية والمجتمعية لمواجهة هذه الظاهرة.

كيف طوعت الجماعات الإرهابية التكنولوجيا الحديثة لإدارة الأنشطة الإرهابية؟!

استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات والتخطيط

الجماعات الإرهابية باتت تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة التي تجمعها عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يمكن لهذه البيانات أن تُستخدم لتحديد أهداف جديدة، أو لتجنيد أفراد بناءً على اهتماماتهم وسلوكهم الرقمي، كما تستخدم هذه البرامج في إدارة العمليات، ووضع الخطط وتنظيم اللوجيستيات وإجراء عمليات التقييم.

الروبوتات والطائرات بدون طيار "Drones"

تمكنت بعض الجماعات من تصنيع طائرات دون طيار بدائية الصنع أو نصف متطورة تستخدمها في التجسس أو تنفيذ هجمات محدودة. حيث تُظهر التقارير أن جماعات مثل "بوكو حرام" في نيجيريا استخدمت هذه التقنيات لتعزيز قدرتها الهجومية والمعلوماتية وكذلك الدفاعية في مواجهة أجهزة الأمن الرسمية.

الهجمات السيبرانية وتمويل الأنشطة الإرهابية

تركزت جهود الجماعات الإرهابية على استهداف البنية التحتية السيبرانية للمؤسسات الحكومية، واستخدام العملات الرقمية "مثل البيتكوين" لتمويل عملياتها، ما يساهم في تقليل قابليتها للتتبع، كما استخدمت الهجمات الإلكترونية للسيطرة أو اختراق البرامج والأنظمة الأمنية.

الجماعات الإرهابية عبر التكنولوجيا أضبحت جزءًا من نسيج المجتمعات الإفريقية

العلاقات الاجتماعية والاقتصادية

أصبحت الجماعات الإرهابية جزءًا من النسيج الاجتماعي لبعض المجتمعات المحلية، حيث توفر الدعم الاقتصادي أو الأمني لسكان المناطق النائية التي تعاني من ضعف الحكومات، واستطاعات هذه الجماعات عبر أدوات عدة منها التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، تقريب المسافات بينها وبين الشعوب في مناطق سيطرة هذه الجماعات.

الاعتماد على الخدمات البديلة

في مناطق مثل شمال مالي والصومال، أصبحت الجماعات الإرهابية تقدم خدمات مثل التعليم والرعاية الصحية، ما يعزز شعبيتها بين السكان المحليين ويُضعف دور الدولة، وأصبحت هذه الجماعات تستخدم التكنولوجيا في حصر الأعداد والخدمات وفي جمع وتدقيق المعلومات وبيانات السكان المحليين وفي بعض الأحيان التجسس أو السيطرة عليهم.

تجنيد الأفراد عبر الروابط الاجتماعية والبرامج والتطبيقات التكنولوجية

تُظهر الأبحاث أن الروابط العائلية والاجتماعية تلعب دورًا مهمًا في استقطاب الأفراد، حيث يعتمد الإرهابيون على العلاقات المباشرة لجذب الشباب إلى صفوفهم، لكن أيضا وعبر البرامج الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الشخصية أضبحت هذه الأهداف سهلة التحقق بالنسبة لهذه الجماعات.

الذكاء الاصطناعي كوسيلة لبث الأفكار المتطرفة واستقطاب الشباب وبث الشائعات المعادية للدول

الترويج عبر منصات التواصل الاجتماعي

أصبحت منصات مثل "فيسبوك" و"تويتر أو منصة إكس" و"تيك توك" أداة رئيسية لنشر الأيديولوجيات المتطرفة. حيث تُظهر تقارير دولية أن الجماعات الإرهابية تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد جمهورها المستهدف ونشر محتوى موجه إليهم.

الألعاب الإلكترونية وأدوات الترفيه

استُخدمت بعض الألعاب الإلكترونية من قبل الجماعات الإرهابية كوسيلة لنشر أفكارها بين الشباب، حيث تُدمج الرسائل المتطرفة داخل الألعاب لجذب الفئات العمرية الصغيرة.

بث الشائعات وزعزعة الثقة

يعمل الذكاء الاصطناعي على توليد أخبار زائفة وشائعات تهدف إلى إثارة الفوضى وبث الذعر، مما يزيد من صعوبة مكافحة الإرهاب، وأصبحت الشائعات أحد أكثر أدوات الحروب الجديدة التي تستهدف الدول الوطنية والاقتصاد والأمن المجتمعي.

التكنولوجيا ساهمت بأن تكون الجماعات الإرهابية بديلًا للسلطات الرسمية

ملء الفراغات الحكومية

في المناطق التي تعاني من ضعف المؤسسات الحكومية، تقدم الجماعات الإرهابية نفسها كبديل يوفر الحماية والخدمات الأساسية، وتعتمد هذه الجماعات علي تكنولوجيا تسهل لها التواصل مع الجماهير وطالبي الخدمات ربما بشكل أكثر تأثيرا من طرق التواصل التقليدية للحكومات والمؤسسات الرسمية في هذه الدول.

التأثير عبر التكنولوجيا على المجتمعات المحلية

تسعى هذه الجماعات إلى كسب ولاء السكان المحليين من خلال توفير فرص العمل والخدمات، مما يجعلها طرفًا أساسيًا في الحياة اليومية لبعض المجتمعات، وتستخدم أدوات التكنولوجيا الحديثة في جمع المعلومات والبيانات وتحليلها وكذلك منصات التواصل الإجتماعي للوصول إلى الشباب وعناصر المجتمع المختلفة بما فيها المرأة والطفل.

جهود الدول والحكومات لمواجهة الظاهرة

تعزيز التعاون الإقليمي

تعمل الحكومات الإفريقية على تعزيز التعاون والربط التكنولوجي بين الدول لمواجهة الإرهاب، مثل الجهود المشتركة بين دول مجموعة الساحل الخمس لمكافحة الجماعات المتطرفة في المنطقة، وتبادل الخبرات والمعلومات من أجل مواجهة أكثر حسما.

تطوير البنية التحتية الأمنية التكنولوجية

تتزايد الاستثمارات في تطوير نظم الأمن السيبراني والتكنولوجيا لمراقبة الأنشطة الإرهابية وردعها، وبناء أجيال جديدة من الخبرات البشرية المدربة جيدًا في هذه المجالات.

برامج إعادة التأهيل والتوعية

تُقدم العديد من الدول برامج إعادة تأهيل تهدف إلى دمج الأفراد المتطرفين في المجتمع وإعادة تثقيفهم، والعمل علي تحويل التكنولوجيا إلى اداة بناء وتعليم وتثقيف وبحث علمي بدلًا من الاستخدام الضار لها.

أثر التعليم والثقافة في مواجهة الظاهرة

تعزيز التعليم كوسيلة للوقاية

التعليم الجيد يعد من أهم وسائل الوقاية من التطرف، حيث يمكن للمعرفة أن تُقلل من احتمالية انضمام الشباب إلى الجماعات الإرهابية.

دور المؤسسات الدينية والثقافية

تعمل المؤسسات الدينية والثقافية على نشر قيم التسامح والاعتدال، مما يساعد في مكافحة الأيديولوجيات المتطرفة.

برامج توعية مجتمعية

تهدف هذه البرامج إلى تعزيز الوعي بين السكان المحليين حول مخاطر الإرهاب وأهمية التعاون مع السلطات.

أخيرًا، في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة، أصبح من الضروري على الدول الإفريقية تعزيز جهودها للتصدي لاستغلال الجماعات الإرهابية للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.

ويتطلب ذلك تعزيز التعاون الإقليمي، الاستثمار في التعليم والثقافة، وتطوير البنية التحتية الأمنية التكنولوجية لمواجهة هذه التحديات بفعالية فقط من خلال استراتيجيات شاملة وتشاركية يمكن للقارة الإفريقية أن تتصدى لهذا التهديد المتزايد وتحمي مجتمعاتها من تبعات الإرهاب والفكر المتطرف.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز