
حسام الدين علي
وقد مثل انطلاق الحوار الوطني لحظة فارقة في هذا المسار، إذ جاء كاستجابة لحاجة مجتمعية متراكمة نحو فتح المجال العام وتفعيل آليات الإصغاء لكل الأطراف، بما يمهد لبناء توافقات وطنية حول القضايا الكبرى.
قبل انطلاق جلسات الحوار الوطني، شهدت البلاد مجموعة من القرارات والإجراءات التي عكست رغبة رسمية في تهيئة مناخ سياسي أكثر انفتاحاً.
أبرز هذه الخطوات كان إعلان إنهاء حالة الطوارئ التي استمرت لسنوات، ما شكّل خطوة رمزية وقانونية لها دلالة كبيرة على الاتجاه نحو تعزيز دولة القانون. كذلك، تم إغلاق القضية 173 الخاصة بتمويل منظمات المجتمع المدني، وهي القضية التي كانت تمثل عائقاً أمام عودة عدد من النشطاء والمنظمات إلى المشهد الحقوقي بشكل طبيعي.
كما تم الإعلان عن لجنة العفو الرئاسي، التي أدت دوراً ملموساً في الإفراج عن عدد من المحبوسين احتياطياً أو المدانين في قضايا رأي، وهو ما أعاد الثقة جزئياً في إمكانية تصحيح المسار القانوني لبعض القضايا ذات الطبيعة السياسية.
ولعل إطلاق "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" كان من أبرز المحطات التي أكدت وجود توجه مؤسسي لإعادة بناء العلاقة بين الدولة والمواطن على أسس من العدالة والكرامة والحقوق.
ومع بدء جلسات الحوار الوطني، تبلورت كتلة سياسية جديدة خرجت من رحم هذا الحوار، عُرفت باسم "كتلة الحوار"، وتميزت بأنها لا تنتمي لا إلى معسكر التأييد المطلق، ولا إلى معسكر المعارضة الدائمة، بل قدمت خطاباً سياسياً عقلانياً موضوعياً يعبر عن فئة واسعة من المواطنين الراغبين في الإصلاح دون تهديد للاستقرار.
هذا التيار تطور لاحقاً إلى حزب سياسي جديد هو "حزب الوعي"، الذي يشكل إضافة نوعية للمشهد السياسي، إذ يسد فراغاً طالما وُجد بين الصوت الحكومي ومؤيديه والصوت المعارض التقليدي.
ويعد هذا الحزب بمثابة تجسيد لفكرة التوازن السياسي، والدعوة إلى التغيير السلمي المدروس، وهو ما يعكس ثمار الحوار الوطني كمنصة لإنتاج حلول واقعية من داخل المنظومة السياسية لا من خارجها.
إن استمرار حالة الانفتاح التدريجي للمجال العام ورغم كل الظروف الداخلية والإقليمية والدولية يعكس إرادة صلبة لدي الدولة يجب أن تتلقفها المعارضة، وكذلك الناخبين للحفاظ عليها ولتوسيعها لتسريع مسار التحول الديمقراطي المصري.
المهندس حسام الدين علي
النائب الأول لرئيس حزب الوعي
