البث المباشر الراديو 9090
رامي زهدي
في خضم التحولات الاقتصادية العميقة التي تمر بها القارة الإفريقية، ومع التسارع اللافت في مشروعات البنية التحتية، وتكامل الأسواق، وبروز طبقة متوسطة صاعدة - تظهر مجموعة من المدن الكبرى، ليس فقط كمراكز سياسية، أو سكانية؛ بل كـ"عواصم اقتصادية" تملك أدوات التأثير، وتتحكم في مفاصل النمو، وتدير دفة التحول القاري نحو اقتصاد متكامل، ومتعدد الأقطاب.

تُعد هذه المدن بمثابة بوابات العبور للاستثمار، ومراكز ثقل مالي ولوجستي وتجاري، تتنافس على الريادة، وعلى اجتذاب رأس المال العالمي والإفريقي. لكن بين كل هذه المدن، تظل القاهرة عاصمة مصر في صدارة المشهد، ليس فقط بتراكم ثرواتها؛ بل بتكامل أدوات قوتها الاقتصادية، وتعدد أنشطتها، واتساع شبكة علاقاتها القارية.

في هذا المقال، نستعرض أبرز العواصم الاقتصادية في إفريقيا، مع إبراز مميزات كل مدينة، والتحديات التي تواجهها، ومقارنة مقوماتها الاقتصادية واللوجستية، مع التأكيد على أن القاهرة باتت النموذج الأكثر اكتمالًا لقيادة المشهد الاقتصادي القاري.

تُعدّ القاهرة - اليوم - العاصمة الاقتصادية الأكثر تكاملًا في القارة الإفريقية. فإلى جانب أنها تضم حوالي 7,400 مليونير وفق تقرير "Henley & Partners" لعام 2023، فهي مدينة تتكئ على اقتصاد متنوع يشمل علي الصناعة التحويلية "في العاشر من رمضان، و6 أكتوبر، وبدر"، وكذلك الخدمات المالية والمصرفية "بما فيها أكثر من 38 بنكًا، ومؤسسات تمويلية إقليمية".

والنقل واللوجستيات "بوجود ميناء الإسكندرية وقناة السويس وهما مرتبطان بالقاهرة وكذلك وشبكة مترو وأنفاق وقطار سريع حديث".

وأيضًا، تكنولوجيا المعلومات "مدينة المعرفة بالعاصمة الإدارية وSmart Village"، إضافة إلي السياحة والعقارات والتعليم الطبي، وتتمتع القاهرة بموقع استراتيجي عند ملتقى آسيا وإفريقيا وأوروبا، ما يجعلها بوابة للتجارة الإفريقية والعالمية.

ويعزز ذلك؛ وجود مطار القاهرة الدولي كأحد أكثر المطارات نشاطًا في إفريقيا، بخدمات لوجستية تربط 3 قارات، وكون شركة الطيران المصرية الوطنية هي ثاني أكثر شركة إفريقية من حيث عدد الوجهات الإفريقية المباشرة.

إضافة إلى ذلك، فإن القاهرة تعد مقرًا لمؤسسات قارية ودولية كبرى، ومركزًا دائمًا لاجتماعات تكتلات؛ مثل: الكوميسا، ومنظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية، وجامعة الدول العربية.

وتُعد العاصمة الإدارية الجديدة نموذجًا للتخطيط الحضري الحديث، وتضم حيًّا دبلوماسيًا، وحاضنات أعمال، ومدينة طبية عالمية، وحيًا حكوميًا هو الأكبر في القارة، ما يُعزز من جاذبيتها الاستثمارية الأن ومستقبلا.

ما تزال جوهانسبرج في جنوب إفريقيا تحتفظ بمكانة القلب المالي للقارة، وتضم 14,600 مليونير، وتستضيف بورصة جوهانسبرج "JSE"، وهي الأكبر إفريقيًا بقيمة سوقية تتجاوز 1.3 تريليون دولار.

تتنوع أنشطتها الاقتصادية بين الخدمات المالية، وتعدين الذهب والمعادن، والتأمين، والعقارات. كما تضم مراكز إقليمية لشركات كبرى، إلا أن المدينة تواجه تحديات خطيرة، من أبرزها: أزمة كهرباء متكررة "انقطاع الكهرباء يؤثر على القطاعات الصناعية والخدمية، وأزمة مياه مستمرة، وكذلك تفاوت اجتماعي صارخ، بالتوازي مع معدلات جريمة مرتفعة وتأمين مكلِّف".

كل هذه العوامل تهدد استقرار جوهانسبرج كمركز اقتصادي مستقبلي مستدام، رغم أن ثقل جنوب إفريقيا ما يزال يمنحها نفوذًا واسعًا.

تمثل كيب تاون واجهة السياحة الإفريقية، وتجمع بين الطبيعة الخلابة، والأنشطة الاقتصادية الناشئة. تحتضن المدينة حوالي 7,200 مليونير، وتبرز في قطاعات، العقارات الراقية والسياحة الدولية، الخدمات المالية، التكنولوجيا الحيوية والطاقة المتجددة.

وتُعد كيب تاون من أوائل المدن التي استثمرت في الطاقة الشمسية على نطاق محلي. إلا أن تعرضها لأزمات بيئية مثل الجفاف المتكرر و"يوم الصفر المائي" يقلل من استقرارها كوجهة طويلة الأجل للاستثمار.

لاجوس النيجيرية، العاصمة التجارية لأكبر اقتصاد إفريقي من حيث الناتج المحلي الإجمالي، تُعد واحدة من أكثر المدن ديناميكية؛ إذ يبلغ ناتجها المحلي نحو 136 مليار دولار، وهو ما يعادل 30% من اقتصاد نيجيريا.

وتضم لاجوس 5,400 مليونير، وتُعد قوة صاعدة في قطاعات، النفط والغاز، الخدمات المالية والمصرفية، التكنولوجيا المالية "Fintech"، الاقتصاد غير الرسمي "بنسبة تتجاوز 50% من الأنشطة الاقتصادية".

لكن مع كل هذه القوة، تواجه لاجوس، ازدحامًا خانقًا "أكثر من 22 مليون نسمة، وكثافة سكانية هائلة"، وترديًا في البنية التحتية، وكذلك أزمات في النقل والتخطيط الحضري، ونقصا في الخدمات الأساسية!.. لكن وعلى الرغم من كل ذلك، تبقى لاجوس مركزًا مزدهرًا لريادة الأعمال، وتحتضن شركات ناشئة تمثل المستقبل الرقمي لإفريقيا.

نيروبي، عاصمة كينيا، تُعرف بلقب "وادي السافانا التكنولوجي"؛ بسبب نهضتها التكنولوجية المبهرة، وتضم أكثر من 4,200 مليونير.

وتشهد المدينة طفرة في: الشركات الناشئة الرقمية، والخدمات المالية الرقمية "مثل M-Pesa"، والزراعة الذكية، وكذلك الخدمات والتأمين والسياحة.

بنيتها التحتية الحديثة نسبيًا، والمطار الدولي الحديث، وسكك حديدية سريعة، تجعلها مركزًا متناميًا لشرق إفريقيا، ولكنها تواجه تحديات في الفساد، والحكم المحلي، والتوزيع العادل للتنمية بين الحضر والريف.

بالمقارنة بين هذه العواصم، نجد أن القاهرة تتفوق بمعايير متكاملة؛ منها التنوع الاقتصادي، حيث إن القاهرة لا تعتمد على قطاع واحد بل تمتلك منظومة متوازنة تشمل الصناعة والتجارة والسياحة والمال والتكنولوجيا، إضافة إلي موقع لوجيستي استثنائي بين قناة السويس، وميناء العين السخنة، وربط بري وجوي وبحري مع إفريقيا وآسيا وأوروبا.

وكذلك بنية تحتية عصرية، من العاصمة الإدارية إلى خطوط المترو والقطار السريع، ومشروعات النقل الذكي.

كل هذا في ظل حجم السوق المحلية الكبيرة؛ حيث يعيش أكثر من 20 مليون نسمة في القاهرة الكبرى وحدها، ويمثلون سوقًا استهلاكية، واستثمارية ضخة، مع استقرار سياسي وأمني، يعزز قدرة المدينة على التفاوض واستقطاب الاستثمارات طويلة الأجل، وشبكة علاقات دبلوماسية وتجارية إفريقية قوية؛ فمصر عضو فاعل في الكوميسا، واتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية "AfCFTA"، ومرشحة أولي ودائمة لاستضافة مزيد من المؤسسات القارية والدولية.

العواصم الاقتصادية التي ستقود إفريقيا في العِقد القادم، ليست بالضرورة الأغنى؛ بل الأقدر على تحقيق التوازن بين الفرص والتحديات، وخلق بيئة أعمال جاذبة، ومستدامة، ومتنوعة.

لذا؛ فالقاهرة تمثل اليوم نموذجًا لهذه العواصم، وتتمتع بإمكانات تؤهلها لتكون المركز المالي واللوجستي الأول في إفريقيا، إذا واصلت الاستثمار في البنية التحتية البشرية والمادية، ورسخت دورها كقاطرة للتكامل القاري.

كما أن العاصمةَ أو أيًا من المدن الإفريقية لا تنفصل أبدًا عن قوة، وتأثير وسياسات الدولة التابعة لها، وكذلك وضع ومكانة الدولة علي المستوي القاري والدولي، وسياساتها الخارجية؛ وهو الدعم الحقيقي الذي تحظي به القاهرة؛ كونها عاصمة جمهورية مصر العربية؛ وهي الدولة ذات التأثير الواضح في المحيط القاري والدولي.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز