البث المباشر الراديو 9090
أحمد ياسر
في عالم السياسة، تسمع دائمًا تلك الكذبة المغرية «الأمن يأتي من فوهة البندقية»، إنها كذبة روج لها بنيامين نتنياهو لسنواتٍ تحت ستار «الدفاع عن وجود كيان الاحتلال».

لكن ربما تكون نقطة التحول في هذه اللعبة اليوم، عندما فشل نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد دائمًا، ليس فقط في جرّ الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن "الضعيف" والمتردد إلى حرب مع إيران، بل يحاول الآن جرّ دونالد ترامب - الذي حوّل مبدأ "أمريكا أولًا" إلى شعار سياسته الخارجية - إلى الفخ نفسه.

هل سيقع ترامب في الفخ؟، وإذا وقع، فماذا سيبقى من صورته كقائد لأكبر دولة عظمى؟.

لطالما اتسمت سياسة "بايدن" الخارجية بالبرود والحذر، وفي بعض الأحيان بالتردد، ردًا على حرب غزة، والهجمات على المنشآت الأمريكية، ومناورات إيران الإقليمية، أبدى بايدن ردود فعل فاترة ومتوترة أحيانًا - ولكنها محايدة في النهاية.

من وجهة نظر نتنياهو، بدا بايدن "هدفًا سهلًا": رئيس عجوز ومتردد ربما يمكن دفعه بأقل جهد إلى مواجهة عسكرية مع إيران، لكن حتى بايدن قاوم أجندة نتنياهو التي تحركها الحرب، لقد وقف ضد مطلب إسرائيل برد أمريكي مباشر وواسع النطاق على هجمات إيران بالوكالة، وحاول منع الصراع من التحول إلى حرب شاملة.

نتيجة لذلك، اضطر نتنياهو مرارًا وتكرارًا إلى التصريح من تلقاء نفسه بأنه إذا لزم الأمر، فإن إسرائيل ستحارب إيران بمفردها.. والآن في هذا الفصل الجديد، يتطلع نتنياهو إلى خيار قديم: "دونالد ترامب"!

أظهر "ترامب" مرارًا وتكرارًا عدم رغبته في جرّ أمريكا إلى حروب لا نهاية لها في الشرق الأوسط، في حين انسحب من الاتفاق النووي الإيراني ومارس أقصى قدر من الضغط، إلا أنه امتنع عن الرد العسكري في اللحظات الحرجة - كما حدث عندما أُسقطت طائرة أمريكية مسيّرة فوق الخليج العربي عام 2019 كان السبب واضحًا!.

يعتقد ترامب حقًا أن حروب الشرق الأوسط مكلفة للشعب الأمريكي ولا تُحقق أي فوائد ملموسة لمواطني إنديانا وبنسلفانيا وأوهايو، يحظى هذا الرأي بشعبية خاصة بين الطبقة الوسطى البيضاء - قلب قاعدة ناخبي ترامب، وبالنسبة لهؤلاء الناخبين، لم يكن ترامب "بطل حرب" بل قائدًا "لإعادة البناء الداخلي" - شخص كان من المفترض أن يبني جدرانًا على الحدود المكسيكية، وليس في الخليج العربي.

أولًا) فخ نتنياهو الكبير: حرب باسم ترامب

في ظل هذه الظروف، لا يُمثل سعي نتنياهو لتوريط ترامب في صراع مع إيران تكرارًا لنمط خطير فحسب، بل يُمثل أيضًا تهديدًا مباشرًا للصورة التي رسّخها ترامب لنفسه: زعيم مستقل يخدم مصالح الشعب الأمريكي، إذا انجرّ ترامب إلى حرب كهذه، فكيف سيختلف عن المحافظين الجدد في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الذين جرّوا الأمريكيين إلى مستنقعات العراق وأفغانستان؟

تخيلوا صورًا لجنود أمريكيين قتلى، وتكاليف عسكرية باهظة، وتقلبات حادة في أسعار النفط، وارتفاع التضخم، والأهم من ذلك، انهيار مبدأ "أمريكا أولًا"، هذا هو بالضبط السيناريو الذي ينتظره الديمقراطيون - وبعض الجمهوريين التقليديين - لعرقلة زخم ترامب.

ثانيًا) ما يريده نتنياهو: قوة بلا ثمن.. حرب بتوقيع شخص آخر

ما يريده نتنياهو واضح: يريد أن تتحمل الولايات المتحدة التكاليف السياسية والعسكرية والبشرية للحرب مع إيران، بينما تلعب إسرائيل دور "المراقب الضحية"، مرارًا وتكرارًا، أثبت نتنياهو أنه لا يمانع الحرب - طالما أن الآخرين يخوضونها نيابةً عنه، من (جورج دبليو بوش إلى بايدن)، ومن (أوباما إلى ترامب)، سعى نتنياهو دائمًا إلى مواءمة واشنطن مع أهداف تل أبيب.

لكن المشكلة تكمن في: إذا قبل ترامب هذه اللعبة، فلن يكون القائد الذي يضع قواعده بنفسه، بل سيكون مجرد بيدق آخر في رقعة الشطرنج الإقليمية التي صممتها إسرائيل.

ثالثًا) الخلاصة: حرب نتنياهو.. سقوط ترامب

يخشى نتنياهو حتى من اتفاق رمزي بين ترامب وإيران - اتفاق قد يُلغي التهديد الدائم بالحرب من معادلة الشرق الأوسط ويُقلل من دور إسرائيل كـ "خط المواجهة في المعركة ضد الشر"، لكن الخطر الحقيقي ليس على نتنياهو، بل على ترامب نفسه.

إذا رضخ ترامب لضغوط نتنياهو ودخل في صراع، فإن إرثه السياسي سيتلقى ضربة قاصمة، في الواقع، إن الحرب مع إيران هي بالضبط ما يحتاجه خصوم ترامب لتدمير صورته كزعيم مستقل، متمركز حول أمريكا، وعقلاني.

لو لم يقع بايدن، حتى لو كان سلبيًا، في هذا الفخ، فربما يكون أعظم اختبار قيادة لترامب هو رفض إغراء يبدو قويًا، لكنه في الواقع يُدمر هويته.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز