أحمد الطاهرى
لمحات القدم والكراسى الخشبية والطاولات المعدنية البسيطة تجمع موزاييك بشرى عجيب يشق تفاصيله نادل يتحرك بهمة ويتمتع بذاكرة حديدية تستجمع طلبات الزبائن المختلفة وتكفيه نظرة لكى يلتقط الزبون الجديد على المقهى، مجتمع مصغر أو سينما إنسانية أو تليفزيون للواقع.
أوصاف كثيرة يمكن سكبها على مشهد يجتمع فيه أجيال مختلفة من الصحفيين على الأغلب معظمهم ينتمى للصحف القومية بحكم موقع مقرات تلك المؤسسات وستجد شباب يبدو عليهم بداية التحقق من رابطة العنق التى تزين ملابسهم وحلاقة أنيقة للذقن، وستلمح عجوزا وقورا يعطيك أمل بأنه ما زال هناك من يتمسك بقراءة الصحف المطبوعة ويمسكها فى يده، ويأتى إليك من يتطوع لتلميع الحذاء بكبرياء المتخصص.
إنها قاهرة مختلفة، بسيطة التفاصيل، عميقة المعنى والوجدان، كوب الشاى رخيص والضحك رخيص والكلام رخيص والشائعات أيضا رخيصة.
وكنت أجلس بعد فترة طويلة من الغياب عن وسط البلد ومقاهيها والتى كانت جزءًا رئيسيا من يومى خلال عملى بـ"روز اليوسف"، وكانت مجالس الحكى دائرة تلخص دفتر أحوال مصر، بداية من نشوة الفرح بأهداف محمد صلاح مع ليفربول مرورا بالغضب من الحكومة بسبب الأسعار وصولًا لتحليلات على قدر من الوجاهة تخص المنطقة والخليج وأردوغان والسودان وإثيوبيا وسد النهضة، وفى كل عنوان تجد مجادلة ومعرفة مصطنعة يفرض بها صاحبها حديثة على الحضور وشائعات كارثية لا تعرف لها سند ولا يمكن أن تكون قد مرت من أبواب المنطق ولم أجد لها تفسير إلا أن أهلها تشبعوا من المواد التى يتم ترويجها على السوشيال ميديا سواء كان مؤيدًا فيبالغ فى خطط وطموحات تتجاوز الواقع وادواته او معارضا يحمل حديثة قدر من الافتراء لا يعرف أى شىء عن بلده وثوابتها وحملها الثقيل وبينهما تجد من يميل هنا وهناك بوعى مرتبك أيضا.
كثيرًا ما كنت استمع وأردد على قدر من الاقتناع أن الإعلام المصرى، وبعض مؤسسات الدولة المعنية تجد صعوبة فى مهمتها الخاصة بتشكيل وعى حقيقى غير زائف، وفقدوا الكثير من القدرة على التأثير فى الرأى العام، ولكن ما شاهدته كان اكبر من توقعى.
ومن الصعب أن نلوم الناس لأن أغلب الظن إننا ابتعدنا عنهم كثيرًا وتراجعت مصداقية الخطاب الإعلامى كثيرًا وغاب الخطاب التثقيفى التنويرى كثيرًا، صحيح أن الأمر برمته لا يرتقى حتى لمجرد العينة العشوائية للمجتمع المصرى فى مجمله ولكن ولو حتى لم يتخطى الأمر مجرد "لقطة" فهى تستدعى الانتباه وتستدعى أن نعود للناس مرة أخرى وأن يجد الناس أنفسهم مرة أخرى فى الإعلام بلا مزايدات أو متاجرة أن نعود للمهمة الأصيلة وهى الإخبار بما يجرى ويتم على أرض مصر بإيجابياته وسلبياته أن نخلق الأمل ولا نتجاهل الوجع، أن نشرح حجم الإنجاز ونوضح التحديات وطبيعة المسؤوليات بين المجتمع والدولة.