إسلام الغزولى
البعض تساءل ما علاقة تركيا بالبحر الأحمر لتتحمل تكلفة نقل قوات وتعاون عسكرى فى السودان وتحديدا على شاطئ البحر الأحمر، وما علاقة قطر بنفس الأمر، ولماذا توافق السودان على وجود قوات وإدارة غير وطنية على جزء من الأراضى السودانية وما هو المقابل الذى قدمته هذه الدول للسودان لتقبل بهذا الأمر، ولماذا تلجأ السودان إلى تعاون مع دول بعيدة عنها جغرافيا ولم تلجأ لدول الجوار.
كل هذه الأسئلة تطرح نفسها علينا جميعا، إلا أن تجاوز الشعور بالصدمة والتفكير بشكل منطقى فى الأمر هو المطلوب فى مثل تلك المواقف للوقوف على نتائج منطقية بعيدا عن الاندفاع والتسرع.
لقد طرأ على ذهن البعض عدة أسئلة هل من الممكن أن تلجأ جمهورية مصر العربية لعمل عسكرى لوقف هذا التعاون المريب فى البحر الأحمر، وهل هذا خيار مطروح من الأساس، فهل يجوز أن يكون هناك عمل عسكرى ضد دولة شقيقة، بل إنها تعد بمثابة العمق الاستراتيجى المصرى وأكثر الدول التى تستضيف الدولة المصرية لاجئيها، فالدولة المصرية تعد بالنسبة للمواطن السودانى جزءا من وطنه، وحين يبحث المواطن السودانى عن التعليم أو العلاج أو اللجوء نتيجة المشكلات التى يمر بها فى بلاده فإنه لا يفكر إلا فى الذهاب شمالا لجمهورية مصر العربية كمقصد باعتبار أن الدولة المصرية تعد بالنسبة للمواطن السودانى كدولته بل فى أحيان كثير ما تقدمه له أكثر مما يحصل عليه من وطنه.
ومن ثم فإن كل هذه الأسباب يجب أن تؤخذ فى الاعتبار ولا يمكن أن يؤثر عليها أو يتحكم فيها تصرف عدائى يقوم به نظام فاقد الرؤية التاريخية والجغرافية لكل تلك المصالح المترابطة بين الشعبين والكفيلة بأن تضمن أن العلاقة بين البلدين قد تشهد توترا ولكنها لن تصل إلى مرحلة الأزمة، فالترابط بين الشعبين أكبر مما يتصوره كثيرون.
كذلك السودان فهى دولة مستقلة ذات سيادة لديها العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما أن نظامها الحاكم قد تسبب فى العديد من الأزمات الداخلية بين أبناء الشعب الواحد، وهو الأمر الذى تتعامل معه الدولة المصرية بكل تفهم وحيادية.
إن الدولة المصرية دولة تمتلك قرارها المنفرد وتستطيع أن تتحرك فى أى تجاه ترى فيه مصلحة شعبها وتحافظ على سيادة أراضيها، إلى جانب العديد من الدول الأخرى، وجميعهم يتشاركون فى البحر الأحمر باعتباره الممر الملاحى الأكبر فى العالم، بداية من باب المندب وحتى قناة السويس.
إن المصالح المتشابكة بين هذه الدول شديدة التعقيد وقد تكون لكل منهم خطوات بشكل مستقل للحفاظ على أمن الملاحة فى البحر الأحمر، وتأمين حركة التجارة فيه ليست مجرد مهمة مباشرة للدول المطلة عليه فقط، ولكن أى تهديد لحركة الملاحة هو تهديد لحركة التجارة العالمية التى تمر به، ويحق للدول الكبرى صاحبة هذه التجارة أن تسأل عن احتمالات تهديد تجارتها فى اى ممر ملاحى فى العالم.
إذا الأمر ليس بهذه البساطة والسهولة التى يتصورها البعض فالعلاقات الدولية شديدة التعقيد.
وأخيرا يجب أن نتذكر أن تدشين الرئيس عبد الفتاح السيسى للأسطول الجنوبى فى يناير 2017 للانتشار على طول السواحل المصرية للبحر الأحمر كان بمثابة الرسالة المباشرة من الدولة المصرية بالرؤية المستقبلية لأمن المنطقة بأثرها.