البث المباشر الراديو 9090
حنان أبو الضياء
سأظل أردد دائما أبدا أن السينما ليست فقط ذاكرة الشعوب، ولكنها المخطط الأهم صاحب البصيرة لمستقبلها، والراصد الواعى لواقعها.

ولعل السينما الإيرانية بسلسلة الأفلام المقدمة فى السنوات الماضية كانت راصدا حقيقيا لما يحدث داخل إيران، إلى جانب أنها صورة المعارضة الحقيقية النافذة إلى العالم، خاصة مع فقر المعلومات وعدم دقتها التى يقدمها اللوبى الإيرانى فى أمريكا للإدارة الأمريكية هناك وللعالم، وخاصة أعمال أصغر فرهادى، مجيد مجيدى، بهمن قبادى وغيرهم، ولكننى مع تصاعد الأحداث هناك يسيطر على مخيلتى الفيلم الإيرانى القصير"اثنان واثنان" أو "دو با دو" باللغة الفارسية، من تأليف وإنتاج وإخراج الفنان الإيرانى باباك أنفارى، وبطولة الممثل الإيرانى بيجان دانشمند أحد أبطال فيلم "جهاز الأكاذيب BODY OF LIES".

وتدور أحداث "اثنان واثنان" داخل مدرسة يبدو أنها تمارس الإرهاب الفكرى والاستبداد على الأولاد، ويبدأ الفيلم بدخول التلاميذ الفصل، ويطلب المدرس من الطلاب عدم الجلوس قبل سماع كلمة مدير المدرسة التى تذاع عبر من خلال سماعات داخل الفصل فيطلب المدير من الطلاب فى كلمته الانصياع إلى ما سيقوله المدرس والانقياد له دون اعتراض، ويبدأ المدرس فى كتابة 2 + 2 = 5، على السبورة، ثم يلتفت للطلاب طالبا ترديدها خلفه. فيعترض أحد التلاميذ قائلا تساوى أربعة؟ فيثور المدرس ويعنفه ويسكته ليجلس خائفا مرتعدا. ويستمر فى ترديد الخطأ دون تفكير، باستثناء طالب واحد يصر أنها تساوى أربعة، فيعنفه المدرس وينهره دون جدوى فيخرج المدرس من الفصل، ويحضر مجموعة من أفراد الشرطة المدرسية، بينما يعنف الطلاب زميلهم مؤكدين أنه سيتسبب لهم فى المتاعب. وعندما يعود المدرس ومعه ثلاثة من أفراد الشرطة المدرسية، يطلب من التلميذ كتابة 2 + 2 تساوى خمسة على السبورة. ويرفع أفراد الشرطة المدرسية أيديهم كبنادق لتخويفه ولكنه يصر، ويكتب 2 + 2= 4، فتنطلق رصاصات افتراضية وتنفجر الدماء وتغطى جزء من السبورة ويسقط الطالب صريعا وتحمله الشرطة المدرسية خارج الفصل، ثم يمسح المدرس رقم 4 مختلطا بالدماء ويكتب خمسة، ويطلب من التلاميذ ترديدها كحقيقة علمية فيفعلون وهم صامتون وخائفون. ثم يطلب كتابتها فى كراساتهم. فينفذون ذلك، إلا تلميذا واحدا يكتب المعادلة فى كراسته 2 + 2= 5، ثم يشطب هذا الرقم ويكتب 2 + 2= أربعة.

وينتهى الفيلم بتلك النهاية، وكأنه يقول إنه ما زال هناك أمل فى المقاومة والاعتراض، وأن هذا الطالب الذى مات ذرع بذور الاعتراض داخل البعض مما يعنى أن هناك مقاومة لطمس الهوية والسيطرة على العقول، وهو صرخة ضد الديكتاتورية الدينية والأنظمة الفاشية الاستبدادية التى تسوق العامة كالقطيع دون تفكير ووعى للإيمان بالمعتقدات الخاطئة بحجة حماية الإسلام.

والفيلم قصير مدته لا تزيد عن سبع دقائق. وبالطبع هذا العمل الذى شارك في العديد من مهرجانات الأفلام العالمية، ورشح لجائزة أحسن فيلم قصير فى مهرجان "بافتا" البريطانى الدولى هاجمته الحكومة الإيرانية الإسلامية من خلال محمد رضا رحيمى النائب الأول للرئيس الإيرانى حينذاك، مؤكدا أن الحكومة "ستبحث قطعا عن المخرج الآثم وتقتفى أثره وتلاحقه لأنه أهان 1.5 مليار مسلم فى العالم"، وطالب مسؤولون إيرانيون الولايات المتحدة بالاعتذار للمسلمين عن الفيلم، لأنه يجىء ضمن سلسلة من الإهانات الغربية لرموز إسلامية. وفى الحقيقة أن هذا العمل وغيره هو بمثابة الرصد الحقيقى للواقع الموجود داخل إيران، فمن سينتصر الآن "2 + 2= 4"، أم "2 + 2= 5"...!

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز