
الدكتور أشرف الصباغ
تلك التحولات من حيث تغير مواقف بعض الدول من مسارات الأزمة وليس من مصير بشار الأسد، وظهور تحولات جادة فى العلاقات الروسية – الأمريكية، والتحكم "نسبيا" فى حركة تنظيم "داعش" الإرهابى، ومحاولات السيطرة بشكل كامل على فصائل المعارضة السورية من أطراف مختلفة ومتناقضة.
تكمن خطورة هذه التحولات السابقة فى أنها لا تؤدى إلى تسوية الأزمة بقدر ما تساهم بدرجات مختلفة فى تفاقمها من جهة، وفى اتساعها من جهة أخرى، وذلك فى ظل ظاهرتين قد تستمران فى التفاقم والاتساع طوال عام 2018.
الظاهرة الأولى تتعلق بالتضليل الإعلامى أو فى أحسن الأحوال بالمبالغات الإعلامية، والثانية تتعلق بالمشهد الميدانى الذى بدأ يتغير بصورة تبدو مفاجئة، ولكنها فى الحقيقة كانت متوقعة، أى ما يحدث للقوات والقواعد الروسية المتواجدة فى سوريا والنشاطات العسكرية الملحوظة والممنهجة لفصائل المعارضة، وظهور أسلحة أكثر تطورا، ووقوع خسائر ملحوظة تتعلق بجرأة هذه المعارضة فى التعامل مع واقع الأمور العسكرية على الأرض.
إن التضليل الإعلامى، وإن كان ملحوظا خلال السنوات الماضية من جانب جميع الأطراف، فقد تفاقم خلال العام الماضى، وبحلول العام الحالى أصبح ظاهرة مميزة لجميع المتورطين فى الأزمة السورية، وعلى رأسهم وسائل الإعلام الروسية والتركية، وبالتالى، لم يكن غريبا أن "تتاجر" وسائل الإعلام هذه بالمهاجرين واللاجئين والنازحين والمشردين السوريين، لا لأسباب إنسانية، بل لأسباب لها علاقة مباشرة وأصيلة بالمعركتين العسكرية والسياسية اللتين تحتاجان إلى غطاءات إنسانية لتضليل الرأى العام، وإقناعه بانتصار هذا الطرف أو ذاك، أو بتناقض هذه القوى والأطراف أو تلك، أو بعدم أحقية طرف ما مقابل أحقية طرف آخر فى اتخاذ إجراءات معينة، والإصرار على تبرير القمع والاستبداد والفساد والطائفية بحجة مواجهة الإرهاب والحفاظ على السيادة الوطنية ووحدة أراضى الدول.
أما فى ما يتعلق بالمشهد الميدانى، فإننا نلاحظ حدوث تحولات خطيرة من حيث تفاقم العلاقات الروسية – الأمريكية، وحصول المعارضة المسلحة على أسلحة بقدرات مثيرة للاهتمام والتساؤلات، ووقع القوات والقواعد الروسية فى الفخ "الأفغانى"، على الرغم من تأكيدات موسكو بأنها متيقظة تماما لتفادى هذه المصيدة.
ولكن الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية تتعامل بشكل تدريجى وبإيقاع هادئ مع هذه الظاهرة، سواء بدعم فصائل المعارضة أو بفرض عقوبات على روسيا وإيران ونظام بشار الأسد، ومغازلة تركيا على طريقة "العصا والجزرة"، وذلك فى إطار سياسة الإدارة الأمريكية المعروفة بـ "فك الارتباط" بين المحور المكون من روسيا وإيران وتركيا ونظام الأسد، ليس بالضبط بإثارة القلاقل الداخلية، بل باستخدام المشاكل والأزمات والإخفاقات الداخلية وتوظيفها فى داخل كل طرف من هذه الأطراف الأربعة، مثلما حدث فى إيران، أو مثلما تتنبأ روسيا بأن ذلك قد يحدث فيها، أو بممارسة لعبة "الكراسى الموسيقية" التى تقوم بها الولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين مع تركيا.
ظاهرتا التضليل الإعلامى والتحولات فى المشهد الميدانى تسيران فى توازِ مدهش وخطير مع صيغتى "جنيف" و"أستانا" لتسوية الأزمة السورية. ومن المنتظر أن تظهر صيغة "سوتشى" فى نهاية يناير فى شكل مؤتمر ما يسمى بـ "الحوار الوطنى السورى".
ومن الصعب هنا أن نتجاهل ما يسمى بـ "مناطق تخفيف التوتر" التى تحولت إلى "كانتونات" وأسباب للصراع الذى لا يُكَرِّس لتقسيم سوريا فحسب، بل وأيضا لاستمرار وتعميق ظاهرة التحولات والصدامات الميدانية، خاصة وأن كل أطراف النزاع المتواجدة على الأراضى السورية مصممة على البقاء فى سوريا، وكل منها لديه بطبيعة الحال أسبابه المعلنة وغير المعلنة، والتى يغطيها كل منهم بحملات إعلامية تضليلية تكاد تصل فى مستواها إلى نفس مستوى حملات التضليل والتزوير التى كانت ألمانيا النازية تمارسها قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية.
فى ظل هذا المشهد المتشابك والمعقد قد يسير العام السابع للأزمة السورية نحو الأسوأ، بصرف النظر عن التدليس الإعلامى الذى تمارسه روسا وتركيا وإيران ونظام الأسد من جهة، والتضليل الأكثر رداءة فى التاريخ الذى تمارسه الولايات المتحدة وحلفاؤها من جهة أخرى.
لكن المهم فى هذا الاتجاه، هو التوقعات المتشائمة التى تدور حول مستقبل العلاقات فى "المحور الروسى" وإمكانية وقوع مفاجآت تسفر عن تحولات جديدة فى المواقف، فى ظل الضغوط و"البلطجة" التى تمارسها الولايات المتحدة ليس فقط على دول هذا المحور الهش، بل وأيضا على حلفائها عموما، وعلى حلفائها الإقليميين بشكل خاص.
وهو ما تستغله روسيا بشكل لا بأس به لتحقيق بعض المصالح والاختراقات والحصول على مكاسب متواضعة، وإن كانت وسائل الإعلام الروسية قد عادت خلال الأعوام الأربعة الأخيرة إلى نفس النزعة الرديئة إبان وجود الاتحاد السوفيتى السابق، من حيث التضليل والتزييف والمبالغة فى المكاسب، واللجوء إلى نبرة الانتصارات "المبينة"، واحتلال المراكز الأولى فى كل شئ، والقدرة على إبادة "لأعداء" فى الجو والبحر والبر والفضاء.
