
أسامة سلامة
ولكن، حسن نية الوزير لا تعفيه من الخطأ، فهو يتولى منصبًا سياسًا كبيرًا، ومسؤول فى الحكومة، وكان يجب عليه انتقاء كلماته.
تصريحات الوزير أغضبت الصعايدة، ما دفع نواب الصعيد فى البرلمان لمطالبته بالاعتذار، والوزير تمسك بكلامه وزاد عليه: "نعملهم استثمارات ونوفر فرص عمل فى بلدهم فنركبهم القطارات ويرجعوا بلادهم يعمروها".
وهو كلام أيضًا يثير الغضب، ويصب مزيدا من الزيت على النار، وتعبير "نركبهم القطارات" يوحى بالترحيل وكأنهم لاجئين أو غير مصريين، وكان الأفضل أن يعتذر الوزير عن كلماته التى فهمت خطأ، وأن مقصده هو الاهتمام بالصعيد وتوفير الاستثمارات التى توفر فرص عمل تجذب أبناء الصعيد للعودة إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم وأسرهم.
ولكن، ما قاله الجندى عن الصعيد لا يجب أن نختزله فى إساءة صدرت من مسؤول، والتى قد تنتهى بالاعتذار عنها أو تركها لتموت مع مرور الوقت، وظهور قضايا أخرى ينشغل بها الإعلام والبرلمان، فقد فتحت كلمات وزير التنمية المحلية الكلام عن جريمة الحكومات السابقة فى حق الصعايدة.
إهمال الصعيد لسنوات طويلة هو ما جعل أبناء الجنوب يبحثون عن الرزق فى القاهرة، وإذا اهتمت الأنظمة السابقة بالتنمية فى الجنوب، وأنشأت فى محافظاته المختلفة مشروعات ومصانع، ووفرت فرص عمل، ما ترك الصعيدى بلده وأهله وداره وتغرب حاملاً معه آلامه وأحزانه.
الصعيدى مثل النخلة يحب أن يعيش ويموت واقفًا فى مكانه، لا يترك جذوره إلا إذا تم اجتثاثها وقطعها، وهو ما يجعله يعيش طوال حياته متألمًا، يملؤه الحنين للعودة الى جذوره مرة أخرى.
والجريمة الثانية التى كشفها كلام الجندى، عندما ألمح إلى أن الصعايدة سبب العشوائيات فى القاهرة، والحقيقة أن بعضهم اضطر إلى السكن والإقامة والبناء فى العشوائيات بسبب الحكومات السابقة، عندما قررت هذه الأنظمة أن يحل المواطن مشاكله بنفسه، ولم توفر مساكن إنسانية يعيشون فيها.
اضطر هؤلاء المغتربون، ومعهم عدد كبير من القاهريين، إلى استيطان العشوائيات من أجل إقامة منازل تسترهم من العراء، وتحمى أسرهم من النوم فى الشوارع، وظلت هذه الحكومات تغمض عينيها عن امتداد العشوائيات فى كل مكان حول القاهرة حتى أصبحت كالحزام الناسف، وساعد على ذلك فساد المحليات والإهمال وتجاهل القانون، وتستر المسؤولين عليها.
وإذا كانت هناك الآن محاولات جادة للقضاء على العشوائيات، إلا أن هذا لا يعنى عدم التحقيق فى كيفية انتشارها، وهى جريمة يجب أن يحاكم المسؤولين عنها، الصعايدة لم يكونوا أبدا سبب العشوائيات فهم أصل العمران فى كل أنحاء مصر، ولكن علينا أن نجعل الغضب من كلام الجندى يتحول إلى فعل، وأن نشهد قريبًا استثمارات حقيقية فى الصعيد.
