
حسن عبدالموجود
لم تنطق الفتاة وهى تدير مفتاح السيارة بينما قال الشاب بلهجة قاطعة ومنذرة: "ربنا يسهلك"، وهنا قرر الصبى الانقلاب عليهما مشيراً إلى ساقى الفتاة وقائلاً بسخرية: "مش خايف عليها من البرد، المفروض تلبِّسها حاجة"، وقبل أن يستوعب الشاب تلك الهجمة عاجله الصبى: "روحوا يا شيخ إن شالله تولع بيكم العربية، يا رب تعملوا حادثة فى الطريق".. الصبى بالطبع يتعامل باعتبار أن الله فى صفه ضد هؤلاء الأغنياء، وأنه باعتبار تلك الفوارق الدنيوية لصالح الشاب والفتاة فبإمكانه أن يدعو الله ضدهما وبالتأكيد لن يتأخر عليه حتى ولو كان يريد لهما الموت ببشاعة!
فى المسجد كان ذلك الإمام ينتظر بفارغ الصبر، كل جمعة، حتى يرفع يده إلى السماء ليردد ومن خلفه عشرات المصلين: "اللهم اشف مرضى المسلمين"، بما يعنى أن الله عليه ألا يشفى أى مرضى آخرين، بمن فيهم مرضى المسيحية واليهودية، والبوذية، والهندوسية، وعشرات الأديان الأخرى، وكذلك الملاحدة بكل تأكيد، ولكن العجيب أن الله يشفى أشخاصاً من جميع الأديان، بل إنه يشفى ملاحدة لا يفكِّرون به ولا يعتبرون أنه موجود من الأساس، والمدهش أيضاً أنه يصيب كثيراً من الأشخاص المؤمنين بأمراض مزمنة وخطيرة، وهو عموماً لا ينظر فى خانة الديانة ببطاقات من يقفون فى طوابير السرطان، ولكننا لن نتوقف أبداً عن تصغير أنفسنا ونحن نتعامل مع الله مع أننا نعلم يقيناً أنه رمز الجمال والخير والمحبة والتسامح، وطبعاً ليس مدهشاً أننا لا نرى إلا أنفسنا، وإذا كان الآخرون لا يستحقون رحمتنا فلماذا نريد من الله أن يحذو حذونا ولا يرحمهم؟! لماذا نردد وراء الأئمة المتطرفين بدون أن ننتبه: "اللهم شرد نساءهم ويتِّم أطفالهم"، هل هذه هى الإنسانية وهل الله بهذه القسوة التى نريده أن يكون عليها؟!
فى الملعب كل فريق يصلى لله ليفوز وليلحق الهزيمة بالفريق الآخر، يصلى اللاعب ليسجل ضربة الجزاء ويصلى الحارس ليصدها، ومن المفترض أن ينحاز الله لطرف ضد الآخر، وإذا فكرنا فى أن الزمالك يخسر كثيراً من البطولات فهل معنى ذلك أن الله لا يحب الزمالك رغم أن لاعبيه أيضاً لا يكفون عن السجود إذا أحرزوا الأهداف أو حتى إذا أضاعوا الانفرادات؟ لماذا لا نصعد كثيراً إلى كأس العالم مع أننا شعب لا يكف عن الدعاء لله فى المساجد والكنائس، بل إن السؤال لماذا لم نكن الدولة الأكثر حصولاً على كأس العالم، أو لماذا ليست دولة عربية كالسعودية تصبح أفضل دولة فى كرة القدم على مستوى العالم؟ هل تفضِّل السماء علينا دولاً كافرة من أوروبا وأمريكا الجنوبية، أم أننا يجب أن نستمر فى الدعاء حتى يرضى عنا الله؟!
نحن لا نريد أن نصدق أننا أصحاب نفوس ضعيفة، نتحدث عن التسامح ونحن أبعد ما يكون عنه، وداخل كل منا قاتل يتأثر بموت شخص من ديانته، ولكنه لن يرف له رمش لو مات عدد ضخم من أتباع ديانة أخرى فى حادثة ما.. لقد اختزلْنا الله العظيم فى رغباتنا المحدودة، وصرنا نراه من منظورنا الضيق ونظارتنا السوداء وجهلنا المطبق الذى أصبح عنواناً على تخلفنا وتراجعنا وكراهيتنا ومحدودية تفكيرنا وبعدنا عن المنطق والإنسانية.
