إيرينى ثابت
يحتفل الأقباط بصوم يونان النبى هذه الأيام، ويرتبط تاريخ هذا النبى بابتلاع الحوت له وخروجه من جوف الحوت إلى الحياة مرة أخرى وكأنه قد بعث من جديد، أما تلك اللعبة المميتة التى تكرر ظهورها مؤخرًا فقد أدت إلى وفاة طفلين فى آخر 2017 بالجزائر، غير ما حصدته من أرواح فى السنوات الماضية لأطفال فى روسيا وهى بلد المنشأ لها وبلدان أخرى حول العالم.
لم أتمالك دموعى وأنا أرى أم الطفل الجزائرى تصرخ كمدا وتحمل حذاء ابنها ذى الأحد عشر ربيعا وتقبّل الحذاء وتبكى بوجع، الطفل شنق نفسه فى حجرة نومه واستيقظ سكان البيت فوجدوه قد مات.
فجيعة سببها لعبة على الإنترنت اسمها الحوت الأزرق وهى عبارة عن اجتياز 50 تحديا فى 50 يوما تنتهى بأن ينهى الطفل حياته بنفسه، ويقال أن شاب روسى قد ابتكر اللعبة المميتة بهدف تخليص العالم من الأغبياء على حد ما ينقلون عنه.
تكمن المشكلة فى الفئة العمرية التى تعمل عليها هذه اللعبة الشيطانية، إذ تصطاد الأطفال ما بين 8 إلى 15 سنة، وهى الفترة التى يميل فيها الأطفال المراهقين بشكل عام للانعزال من ناحية، ولتأكيد وجودهم بأى طريقة من ناحية أخرى، كما أنها فترة عصيبة فى حياة أى إنسان إذ تتنامى عواطفه بشكل كبير وغير متزن مما يجعله عرضة لحالات من السعادة الشديدة أو الحزن المبالغ فيه دون سبب، وتستغل اللعبة الشيطانية هذا الانعدام فى الاتزان لتقضى على المراهق المسكين.
المهام أو التحديات التى تطرحها اللعبة تتطلب من المشاركين أن يقوموا بتنفيذها فى الرابعة فجرًا مما يجعل المراهق فى حالة أقرب إلى النوم، ويطلب منه أن يشاهد فيلم رعب فى مرة ثم أن يجرح ذراعه ويرسم حوتا كبيرا عليه، وتتوالى طلبات إيذاء النفس ثم إيذاء الغير أيضا، بتصوير أخته أو أمه وهى نائمة، وإرسال تهديدات عبر الرسائل النصية هنا وهناك، وبينما يسعى الطفل المسكين لإثبات قوته وشجاعته والحصول على نقاط اجتياز التحديات، يتجمع لدى شياطين الحوت الأزرق ملف بكل هذه المصائب التى قام بها المسكين لإذلاله بها إن فكر أن ينسحب.
لماذا يفكر أحد فى قتل آخرين لا يعرفهم ولم يتسببوا فى أى مشكلات له شخصيا؟ ولماذا يتلذذ أحد بقتل الأطفال؟ وما الدافع الذي يحدو بإنسان، وأتحفظ على استخدام هذه الكلمة السامية أن يجد نفسه ويثبت كيانه إذا ما نجح فى خداع طفل برئ ساذج ودفعه لأن يؤذى نفسه ثم ينهى حياته؟ هل يوجد أى فكر منطقى إنسانى وراء هذا الابتكار الشيطانى؟
والمثير للدهشة أن اختيار الاسم "الحوت الأزرق" كان بناء على قناعة عند البعض أن الحوت الأزرق ينتحر، ويبدو أنه فى أحيان كثيرة يتجه هذا المخلوق الضخم ناحية الشواطئ ثم لضحالة المياه لا يتمكن من العودة لعرض المحيط فيعلق على الشاطئ ويقولون أنه ينتحر.
لست من علماء الكائنات البحرية ولا أدرى ما إذا كان الحوت الأزرق يقصد الانتحار إذا ما ولج ناحية الشواطئ أم لا، ومن القليل الذى قرأت، يبدو أنه لم يثبت أن للحوت الأزرق ميولا انتحارية.
ربما يأتى للشواطئ حتى ما نتذكر أنه قذف يونان عند الشاطئ ليمنحه الله فرصة حياة جديدة، ولكننا فى زمن عجيب ننتهك فيه عظمة الحوت الأزرق ونستخدم اسمه فى لعبة موت أطفال، وهو الذى يأتى عند الشاطئ ليذكرنا بأنه حفظ حياة نبى.