البث المباشر الراديو 9090
دكتور محمد فياض
"لقد حكم العرب العالم الإسلامى قرونًا من الزمان وحكم الترك العالم الإسلامى قرونًا من الزمان، وآن الأوان للفرس أن يحكموا العالم الإسلامى" بهذه الكلمات عبر الخمينى عن عقدة وعقيدة السياسة الإيرانية والحلم الإيرانى.

إننا لو نظرنا لتاريخ الفرس مع التشيع لوجدنا تفسيراً مقبولا فى هذا الصدد، لقد كانت ثمة علاقة جدلية بين الفرس والإمام على بن طالب منذ خلافته، فالأعياد الفارسية ذات الطابع القومى تم الاحتفال بها فى عهد الإمام على بن أبى طالب مثل عيد النيروز، إضافة إلى ما سبق فإن الحادثة الأهم فى تاريخ تشيع الفرس كانت تلك القصة الكلاسيكية الأشهر التى ذكرت بأن ابنتى ملك الفرس "يزدجرد" واللتان تدعيان "شهربانور" و "وجهانشاه" قد وقعتا فى الأسر أيام الخليفة عمر بن الخطاب فلم يباعا فى الأسواق لأنهما بنات ملوك، لذا فقد تزوج الحسن بن على بشهربانور وتزوج الحسين بجهانشاه والتى سميت بعد ذلك سلافه وأنجبت للحسين ابنه "على بن الحسين المعروف بعلى زين العابدين والذى يعد الإمام الرابع فى منظومة التشيع الإمامى الإثنى عشرى، فكان هذا الزواج عاملا هاما من عوامل تشيع الفرس.

كما أن الفرس قد آمنوا بنظرية الحكم الإلهى المقدس وانتقال الدم الملكى للأبناء، أضف الى ذلك أن عليًا زين العابدين هو من نسل الرسول صلعم تزوج ابنة من نسل ملوك الفرس الأكاسرة، إذن فنحن أمام صاحب الحق الملكى فى ملك العرب والعجم.

إننا لو رصدنا تاريخ المعارضة فى العالم الاسلامى بأكمله لوجدنا أن الفرس قد شكلوا عنصراً أساسياً فى هذا الفكر، كما كان المال الفارسى حاضراً دائماً فى تاريخ كل الحركات المناوئة للسيادة العربية، وكان الاعتقاد بالنسبة لهم أمراً ثانوياً إذا ما قارناه بالحنق الاجتماعى القديم وعقد السياسة الأولى والصدام الحضارى والشعوبية بين الفرس والعرب فكان تشيعهم بالأساس نكاية ومعارضة في السيادة العربية مع بعض الحلى الدينية لإكساب الأمر شرعية ورونقاً لا يدل بحال عن الماهية الحقيقة لهذا التبنى المذهبى للتشيع.

هكذا كان المشهد القديم...

أما المشهد الآنى فهو المشهد الذى نجد فيه إيران تتمدد وحلمها القديم يقاتل بشراسة، وتمتد مخالبها السياسية والاقتصادية والإيدلوجية لتصيب العديد من العواصم العربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، فضلاً عن التدخلات الناعمة فى معظم عواصم العالم العربى الأخرى، ومن المهم جداً ألا ننشغل بما تم تنفيذه من الحلم الإيرانى فقط بل لابد من أن نتحرك لصد ما هو مدرج على جدول أعمال ذلك الحلم وهو ما يقع على عاتق الأجهزة الإستخباراتية والمعلوماتية فى الدولة، فمصر مثلاً كانت ولا تزال هى الحلم الفارسى الأكبر، وواسطة عقد أفكارهم السياسية وأهدافهم الدعوية، فحسب الأدبيات الشيعية بصفة عامة والإيرانية بصفة خاصة فأن مصر هى "الجائزة الكبرى" مؤصلين ذلك إلى رؤية الإمام على لمصر بأنها المحور الأكثر أهمية والأكبر ثقلا فى صراعه مع معاوية، وأنها الرقم الصعب فى حسم معادلة الصراع.

وينسحب ذلك القول أيضًا على الرؤية الإيرانية لمصر بأنها هى بيت القصيد لتحقيق حلمهم الأكبر، فلو تذكرنا مثلاً زيارة أحمدى نجاد لمصر أيام حكم الإخوان والتى كانت الأولى من نوعها بعد أربعة وثلاثين عاماً من الانقطاع، أما فيما يتعلق بسياق الزيارة فلدينا بعض اللقطات التى من الممكن أن تكون لها حضورها فى هذا المنحى، فأماكن ذات دلالات مهمة تم الإعلان عنها فى برنامج الزيارة مثلت دلالات روحية قوية نجدها فى زيارة مساجد ذات حضور مقدس عند الشيعة مثل مسجد الحسين كقيمة معنوية، والسيدة زينب وغيرها، فضلا عن رفع نجاد بأيديه راسماً علامة النصر بالإضافة إلى أماكن أخرى ذات أبعاد سياسية وعقديه قوية مثل "الأزهر الشريف" وهو الموضع الذى يثير عقدة ضخمة فى ذهنيات التشيع، حيث كان يمثل المؤسسة الشيعية الأولى فى العالم الإسلامى فصار بعد ذلك ممثلا رسميا للإسلام السنى فى العالم الإسلامى بأكمله، وهو الأمر الذى يمثل مشاعر أشبه بالحنق والأسى على الأزهر.

أما المكان الآخر ذو الدلالة الأهم وهو ميدان التحرير الذى أعلن نجاد عن الرغبة فى زيارته والذى يمثل أيقونة الثورة المصرية ورمزها وهو ما ينقلنا لأبعاد أخرى فى الحديث، فالثورة المصرية والتى لاقت ارتياحًا إيرانيًا كبيرًا، ومدحًا إعلاميًا فى الخطاب الرسمى ناعتة إياها بأنها ثورة إسلامية.

وعلى مستويات أخرى فدعونا لا ننسى التقاربات القديمة بين الإخوان والشيعة والتى ظهرت فى العديد من المواقف، ولكننا سنختار نموذجا واحدا، فأحمدى نجاد قد قابل فى زيارته للقاهرة مهدى عاكف المرشد السابق لجماعة الإخوان الإرهابية وهو الرجل الذى أعلن سابقا موقفه المؤيد وبشدة للشيعة حيث قال "لا فرق بين السنة والشيعة ونحن أمة واحدة ونسيج واحد لنا رب واحد ولنا قرآن واحد وقد أصدرت بيانًا أوضحت فيه موقف الإخوان من هذه القضايا التافهة التى يثيرها بعض الناس الذين لا يفهمون الإسلام كما يجب وهذا منهج الإخوان المسلمين منذ الأستاذ حسن البنا، ومن يدعون أن هناك سنة وشيعة فهؤلاء جهلاء جهل مطبق".

لذا فقد لا يكون مستغربًا أن نقرأ تصريحات سابقة للكتاتنى بأنه ينظر للثورة الإيرانية "كنموذج أعلى" وهو ما أثار وقتها حالة من التوجس من إمكانية تصدير الثورة الإيرانية بشكلها وليس حالتها من حيث الشكل العام من وجود مرشد أعلى كحاكم روحى للمجتمع أو الطموح فى تأسيس ما يعرف بالحرس الثورى، وهنا علينا أن نعيد فرحتنا بثورة الثلاثين من يونيو التى أوقفت مد الحلم الإيرانى فى مصر والذى كان مقرراً لأن يمتد أثناء حكم الإخوان البغيض دون أن نطمئن الى موته.

صفوة القول فإننا أمام حلم إيدلوجى متمدد يبحث عن إمبراطوريته القديمة يقاتل فى سبيل عودتها بشراسة، حلم يتشابه إلى حد كبير مع حلم الخلافة الإخوانى والوطن الصهيونى، حلم يسير فى خطوات ثابتة ليشكل أحد أهم أقطاب الصراع فى الخريطة السياسية لهذا العالم الراقد على حافة البركان.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز