البث المباشر الراديو 9090
أسامة سلامة
عدة أيام قليلة فصلت بين وفاتهما، ورغم اختلاف طبيعة عمل كل منهما والفارق الكبير بين المهنتين، إلا أن ما يجمعهما كثير للغاية، كلاهما نموذج متفرد ومختلف.

الاثنان تفوقا فى مجاليهما وبلغا فيهما الذروة، والأهم الحس الوطنى الكبير والمحبة والتسامح والأخلاق الفاضلة التى نشروها فيمن حولهما، والأخطر الرسالة التى أرسياها فى المجتمع، وبالمصادفة الاثنان من مواليد محافظة المنيا، عن الدكتور القمص مكارى عبدالله، والفنان الشعبى مكرم المنياوى أتحدث.

الأول أستاذ الرياضيات بكلية العلوم جامعة القاهرة، ورغم تميزه فى المادة العلمية ونبوغه فيها حيث كان متخصصًا فى مادة المتغيرات المركبة، إلا أن ما لفت الأنظار إليه بجانب علمه ودراساته المهمة هو أنه رجل دين فقد رسمه البابا المتنيح كيرلس السادس قسيسًا عام 1970، وكان غريبًا أن يدخل المدرج ويقوم بالتدريس فى أعرق الجامعات المصرية بزيه الكهنوتى.

لهذا الأمر حكاية، فقد طلب منه البابا كيرلس أن يرسمه كاهنًا، واستجاب له الدكتور أديب عبدالله - الاسم العلمانى قبل الرهبنة -  محبة فى الخدمة الدينية، معتبرًا الأمر تكليف إلهى، ووقتها كان أستاذًا مساعدًا بكلية العلوم، وعندما تقدم باستقالته رفضها رئيس قسم الرياضيات  وقال إن تخصصه نادر، ولا يمكن الاستغناء عنه، والأمانة العلمية تفرض عدم التفريط فيه لأن الكلية والطلبة فى حاجة الى علمه.

عرض الأمر على عميد الكلية، ورئيس الجامعة، واقترح الاثنان حلا للمشكلة، وهو السماح له بالتدريس وهو يرتدى زى الكهنوت، ووافق البابا كيرلس على الأمر، وأصبح وجود الدكتور أديب الذى تغير اسمه بعد رسمه كاهنًا إلى القس مكارى عبدالله، بزيه الكهنوتى، بين طرقات الجامعة وفى أروقتها وخلال المحاضرات أو مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه أمرًا طبيعيًا، بل أن الأب مكارى حصل على جائزة الدولة التشجيعية بعد أسابيع قليلة من رسامته، وكذلك وسام العلوم والفنون، كما أنه ترقى إلى درجة الأستاذية بعد ثلاث سنوات من عمله الكهنوتى، وتولى رئاسة قسم الرياضيات بكلية العلوم عام 1976 ولعدة دورات.

وأصبح أستاذًا متفرغًا عام 1988، وتم ضمه إلى اللجنة العلمية للرياضيات بالمجلس الأعلى للجامعات، ومعنى هذا أن رعايته لشعب كنيسة الملاك ميخائيل بشبرا لم تمنعه من مواصلة أبحاثه واهتمامه بالعلم الذى نبغ فيه حتى أنه زار العديد من الجامعات العالمية، ولكن علينا أن نسأل كيف كان طلابه يستقبلونه وهو بزى الكهنوت خاصة وأن السبعينيات والثمانينات من القرن الماضى شهدت صعود التيارات المتطرفة فى الجامعة؟

الثابت أنه كان يلقى كل الاحترام من الطلبة وزملائه من أساتذة الكلية والتقدير من رؤساء جامعة القاهرة العديدين والذين تناوبوا على رئاسة الجامعة طوال الفترة الطويلة التى قام بالتدريس فيها.

الرجل الثانى هو المداح والمطرب الشعبى مكرم المنياوى، الذى ظل طوال حياته عاشقًا ومادحًا لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، رغم أنه مسيحيًا، وهو لم يفعل ذلك نفاقًا أو رياءً، ولكن عن محبة خالصة، وفهم لدور الأديان، ولذلك أحبه المسلمون والمسيحيون وحظى بتقديرهم ومودتهم، ارتبطوا به وبفنه، وكان له مريدين من كل الأجيال والطبقات فى قرى ونجوع الصعيد تعلقوا به وصاحبوه وهو يسرد السير الشعبية التى مست وجدان البسطاء، الاثنان الدكتور القمص والفنان الشعبى فريدان ومختلفان، وهما أبلغ رد على المتطرفين والمتعصبين، رحم الله الاثنين بقدر عطائهما للوطن وللبسطاء.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز