البث المباشر الراديو 9090
الدكتور أشرف الصباغ
كل الشواهد تؤكد أن المواجهة والصدام مع الولايات المتحدة ليسا من أولويات الرئيس الروسى فلاديمير بوتين.

روسيا تبحث عن موطئ قدم على أرضية الرأسمالية الدولية، وفى ظل الصراعات القاسية التى تفرضها قوانين السوق والاحتكارات الكبرى والتحولات الاقتصادية والجيواقتصادية.

ولا شك أن البحث عن موطئ قدم فى ظل صراع وحشى على مناطق لتصريف الفوائض المالية وبيع الأسلحة والتحكم فى مصادر وطرق نقل الطاقة، قد تفضى إلى نزاعات مسلحة، لا تلبث أن تحول إلى مواجهات أو صدامات مباشرة.

هكذا هى قوانين السوق والرأسمالية، مهما جرى الحديث عن ضرورة الاستقرار من أجل انتعاش الأسواق وازدهار حياة "المواطنين".

كل التصريحات التى يدلى بها الكرملين والخارجية الروسية تشير إلى أن روسيا ليس لديها أى رغبة فى صدام مع الولايات المتحدة.

ولكن من جهة أخرى، لا تستطيع روسيا أن تقف مكتوفة الأيدى طويلا أمام سلسلة طويلة من العقوبات الاقتصادية التى تحرمها من مسارات تنمية طبيعية، وتفرض عليها العديد من القيود التى تحرمها أيضا من التقنيات الدقيقة.

معنى ذلك أن هناك جناحا فى الإدارة الروسية يشبه تلك الأجنحة الكثيرة "الساخنة" فى الاتحاد السوفيتى، يرغب فى توريط روسيا فى مصائد وأفخاخ، متصورًا أنه يمكن أن يحقق أهدافه عبر حملات إعلامية ودعائية وديماجوجية خرقاء.

من الممكن أن نضيف أيضا منظومة كاملة من الحسابات الخاطئة، أو فى أحسن الأحوال الحسابات غير الدقيقة، سواء بشأن التحالفات الهشة التى تقيمها روسيا مع حلفاء لم يتحركوا بعد من عصر الديناصورات، أو بشأن اعتماد أجنحة روسية معينة على تحالفات كلاسيكية تشكل عبأ على روسيا واقتصادها وثقافتها وسياستها وطموحاتها وسمعتها.

تصريحات الكرملين والخارجية الروسية مهمة وفى غاية الاتزان، إلا من بعض الهنَّات البسيطة، والتى يمكن أن تكون مقصودة، من أجل الحفاظ على ماء الوجه ليس إلا.

ولكن وسائل الإعلام الروسية كعادتها، وتحت غطاء "الوطنية"، ترتكب أخطاء فادحة فى حق الكرملين والخارجية، وتُراكم جبال الأخطاء التى عادة ما تصب نتائجها لصالح الخصوم والمنافسين، وتعود على هيبة روسيا نفسها بالخسائر الفادحة.

وفى نهاية المطاف، يصعب على المتابع أن يعرف هل هذا إعلام روسى أم إيرانى، أم إعلام تابع لحزب الله أو لحزب البعث ونظام بشار الأسد أو لتنظيمات وأحزاب ما أنزل الله بها من سلطان.

لقد دخلت روسيا إلى سوريا لأسباب كثيرة، على رأسها، تحسين موقعها الدولى، وتحقيق مكاسب ومصالح تجعل منها لاعبا إقليميًا ودوليًا لا يمكن تجاهله أو تجاهل مصالحه، إضافة إلى الأسباب المذكورة فى بداية المقال، وأخرى كثيرة.

ولكن ماذا بشأن روسيا التى وجدت نفسها فى فخ بشار الأسد وقوات إيران ومليشيات حزب الله فى سوريا؟! ماذا عن روسيا التى وقفت لتشاهد الضربات الأمريكية البريطانية الفرنسية؟! لننسى مؤقتا "الكلام الفارغ" الذى ملأ وسائل الإعلام إلى لا نعرف هل هى روسية أو إيرانية أم بعثية أم تابعة لتنظيمات وأحزاب عتيقة، ولنركز على تصريحات الكرملين والخارجية الروسية.

سنجد أن موسكو الرسمية ضد كل ما يمثل عوامل تصعيد وصدام مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الكبرى، والذى يمكنه أن ينتهى بمواجهات نووية مباشرة.

ولكن من الذى يصب الزيت على النار فى روسيا من أجل توريطها كما تم توريط الاتحاد السوفيتى السابق؟! ربما يعرف الكثيرون الإجابة، ولكنهم ينأون بأنفسهم عن المشاكل والصراعات الداخلية التى يمكن أن تطيح بسلطة الكرملين نفسه.

لا شك أن روسيا قوة عظمى تمتلك قدرات عسكرية ضخمة تسمح لها بأن تكون ندا للولايات المتحدة، أو فى أسوأ الأحوال قوة "مُعَطِّلَة" للمشارع والسيناريوهات الغربية.

ولكن روسيا الرسمية، بكل الشواهد لا ترغب بالفعل فى مواجهات وصدامات مباشرة لا من أجل سوريا ولا من أجل المنطقة العربية برمتها، وبالتالى، فمن الواضح أن موسكو لن تتحرك بشكل مباشر لمواجهة الأمريكيين، وإنما ستعمل على تعقيد المهام الأمريكية والغربية، وقد تبدأ برفع ورقة تزويد نظام الأسد بمنظومات دفاع جوى حديثة، كما أعلن وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، ولكن ماذا بشأن العقوبات الأمريكية والأوروبية؟

لقد أوقف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الخطة المبدئية لفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا فى محاولة لمنحها فرصة للتفكير فى تسوية سياسية للأزمة السورية بشكل يراعى أن موسكو ليست وحدها، وبأنه ليس بإمكانها أن تتصرف بمفردها، لقد لَوَّحَت الإدارة الأمريكية بتلك العقوبات لاختبار مدى رد فعل موسكو"، التى أظهرت غضبًا شديدًا واستعدادا للرد على الحزمة الجديدة، مؤكدة أنها ستتخذ كل الإجراءات لكى لا تؤثر ردود فعلها على الاقتصاد الروسى.

وأدركت واشنطن مدى تضرر موسكو من العقوبات الأخيرة التى أثرت بشكل جدى على الأسواق المالية الروسية وكبريات الشركات والعملة المحلية فى البلاد.

من الواضح أن واشنطن تتبع نهجا جديدًا مع موسكو، إذ أنها سرَّبت معلومات إلى وسائل الإعلام بأن الخطة تأجلت، ما يعنى أن أمام موسكو فرصة جديدة لإدراك أنها ليست اللاعب الوحيد فى سوريا كما كانت تتصور، وخصوصًا بعد الضربة الثلاثية التى وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إلى بعض المواقع التابعة لنظام بشار الأسد، من دون إلحاق أى خسائر فى الأرواح، والتشديد على أن الضربة غير موجهة لإسقاط نظام بشار الأسد.

إن المقصود من عملية التأجيل هذه، هو إدراك روسيا للرسالة المقصودة والكف عن تصوراتها بأنها حلت محل الولايات المتحدة فى المنطقة، أو يمكنها التصرف فى سوريا كما تريد.

وفى نهاية المطاف، كل شئ متوقف على خطوات روسيا اللاحقة، كما صرَّحت بذلك المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز.

يبقى فقط أن نشير إلى الأخطاء غير العادية التى ترتكبها موسكو، أو بالأحرى إعلامها الحكومى الرسمى، وكان آخر هذه الأخطاء، محاولة الترويج فى فجر يوم الثلاثاء 17 أبريل الحالى، لعدوان جديد وقصف جبار لمطارى الشعيرات والضمير فى سوريا.

وذهبت وسائل الإعلام الروسية إلى طرح صور وفيديوهات تنقل مسارات الصواريخ وكيف اصطادتها الدفاعات الجوية التابعة للنظام.

وكانت وسائل الإعلام الإيرانية والأخرى التابعة للأسد وحزب الله خير عون، حيث طرحت هى الأخرى السيناريوهات والصور والفيديوهات والمعارك الجبارة. واتضح بعد ساعات أنه لم تكن هناك أى غارات أو صواريخ أو "عدوان ثلاثى" جديد! يبدو أن هناك من يعتقد أن مثل هذه "الأفلام" و"المسلسلات" هى أنجح وسيلة لإعلان "الانتصارات".

وفى نهاية المطاف تتحمل روسيا مسؤولية أخطاء وتلاعبات الجميع.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز