
الدكتور أشرف الصباغ
السياسة ليس فيها لا حب ولا كراهية، ولكن بولتون تحديدًا يكسر هذه القاعدة بالنسبة للروس الذين تعلموا البراجماتية فى السنوات الأخيرة، فهم يعتبرونه أحد مصادر الشر، وأحد أهم العناصر التى تفضل حل النزاعات بالطرق العسكرية، غير أن لقاءه بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين أسفر عن بعض الجوانب الإيجابية، حيث أعلن مساعد الرئيس الروسى يورى أوشاكوف أنه تم التوصل إلى اتفاق حول لقاء الرئيسين الروسى والأمريكى فى بلد ثالث.
وقال: "سنعلن عن مكان وموعد اللقاء مع الزملاء الأمريكيين غدا"، مضيفًا بأنه كان هناك حديث بأن الرئيسين يمكن أن يتفقا على بيان مشترك من شأنه أن يرسم الخطوات اللاحقة للجانبين ومن حيث تحسين العلاقات الثنائية، والإجراءات المشتركة على الساحة الدولية وضمان الاستقرار والأمن الدوليين"، كما أشار إلى وجود قضايا وخلافات ومشاكل ضخمة بين البلدين على مسارات عدة، من بينها الاستقرار الاستراتيجى، ومكافحة الإرهاب الدولى، ثم المشاكل الإقليمية التى تشمل جميع حالات الصراع المعروفة، وتصحيح العلاقات الثنائية بشكل عام، بل وذهب أوشاكوف، مفترضًا إلى أن قمة بوتين – ترامب "المُفْتَرَضة" قد تتناول الوضع فى العلاقات الثنائية، والتسوية السورية، والاستقرار الدولى، وملف نزع السلاح.
وفى الحقيقة، فقد انقلبت كراهية روسيا وساستها ومحلليها إلى حب شديد لبولتون الذى لم يعرب إلا عن "أمله فى مناقشة سبل تحسين العلاقات الروسية الأمريكية" فقط، وأن ترامب ملتزم عموما بهدف الحفاظ على الاستقرار فى العالم، أى أن "الصقر" الأمريكى لم يتحدث كثيرًا، ولم يتطرق إلى هواجس روسيا وآمالها وأجنداتها، ومع ذلك، فالأمل لا يضر إطلاقًا، إلا أن السؤال الذى يطرح نفسه تلقائيًا فى ظل الخلافات الحادة وإصرار واشنطن على تقليم أظافر روسيا وإغلاق العديد من القنوات المالية والاقتصادية أمامها، ماذا يمكن أن تقدم روسيا، أو ماذا قدَّمت روسيا، لكى تبدأ إدارة ترامب فى التعامل معها بكل هذه "الرقة"، بل ووصلت الأمور إلى إعلان موسكو عن بشائر قمة مرتقبة بين الرئيسين؟!
الطريف هنا، أن الروس يرون أنه من سخرية القدر أن يكلف بالتحضير لهذا الحدث الأهم رجل لا يخطر ببال أحد ليصبح "صانع سلام"، وهو المغرم، حسب التحليلات والتصريحات الروسية، بحسم الصراعات الدولية بالقوة، هذا إضافة إلى أن الروس لديهم أوهام كثيرة بأن المحيطين بترامب يفسدونه ويضللونه ويقدمون إليه نصائح مضرة وشريرة توغر صدره على روسيا، بل وتصل الهواجس الروسية إلى أن المحيطين بالرئيس الأمريكى يحاولون إفساد قمته مع بوتين، وهى القمة التى لا تزال تتأرجح بين الوهم والخيال، ما يعنى أن التحضير لها سوف يستغرق الكثير من الوقت والتنازلات والتحولات السياسية التى ستشكل مفاجآت تاريخية غير مسبوقة فى ملفات خلافية، مثل أوكرانيا وإيران وسوريا ودول البلطيق ودول أوروبا الشرقية التى تنتمى إلى كل من حلف الناتو والاتحاد الأوروبى، هذا إضافة إلى الملفات التى ذكرها مساعد الرئيس الروسى يورى أوشاكوف أعلاه.
من جهة أخرى، لا يثق الكثير من المسؤولين الأمريكيين بالسياسة الروسية، ويحذرون ترامب من ارتكاب هفوات أو أخطاء قد تضر بالدولة الأمريكية كمؤسسة لها نفوذ فى جميع مناطق الكرة الأرضية وفى الفضاء أيضًا، فالسفير الأمريكى السابق فى موسكو ألكسندر فيرشبو، والذى كان قد ترأس مجلس الأمن القومى الأمريكى فى فترة سابقة، يدعو ترامب بأن لا تكون لديه أى أوهام حول بوتين، فطالما أنه فى السلطة، لا أمل بصفقة كبيرة مع روسيا، لذلك، يمكن الحديث مع روسيا فقط عن الحد من خطر اشتباك عسكرى مباشر مع الاستمرار فى حماية القيم الأمريكية ودعم المجتمع المدنى الروسى.
روسيا تعوِّل على أن يهزم ترامب ليس فقط الصقور والمناوئين لروسيا، بل ويهزم الكونجرس ومجلس الشيوخ ويأخد المبادرة فى يديه ليصدر أوامر لا تقبل المناقشة بإعادة العلاقات مع روسيا، أى أن موسكو ترى أن ترامب أصبح الآن أقوى بكثير مما كان عليه فى السابق، وبات أقوى من المؤسسات الأمريكية ومن أفراد إدارته، وبالتالى، فإنه سوف يصدر أوامر وفرمانات فقط من أجل التنفيذ!
وإذا كان بوتين يريد "ترامبًا" على مقاسه، فإن ترامب يريد "روسيا" بالكامل على مقاسه، لكن ماذا تريد إيران فى هذه المعادلة، وماذا سيكون وضعها؟ وماذا عن أوكرانيا؟ إن أى لقاء قمة بين بوتين وترامب سيكون شكليًا بكل المعايير، ولن يسفر عن أى نتائج على الأقل خلال السنوات العشر التى ستعقبه، ومع ذلك فبوتين بحاجة ماسة إلى مثل هذا اللقاء الشكلى، بالضبط مثل احتياج ترامب إليه، وإن اختلفت أسباب كل منهما، وهذه، فى حقيقة الأمر، مسألة تتعلق بشخص كل منهما، وليس بمصالح البلدين على الإطلاق.
