البث المباشر الراديو 9090
أحمد محمود
انطلقت الأسبوع الماضى فى مدينة شرم الشيخ أعمال "المنتدى الإفريقى الأول لمكافحة الفساد"، تحت عنوان "التنمية تبدأ بالنزاهة" وقد حضره عدد كبير من الرؤساء الأفارقة بهدف تقييم ما تم إنجازه فى هذه المسألة، وتحديد الخطوات التالية لاستكمال جهود التصدى للفساد فى القارة بجميع أشكاله.

وتتمثل أهداف المنتدى فى أربع عناصر أساسية، هى الارتقاء بمستوى أداء الجهاز الحكومى والإدارى للدول الأعضاء، واقتراح وسن التشريعات اللازمة لمكافحة الفساد، وتعزيز التعاون المحلى فى مجال المكافحة، وأخيرًا رفع مستوى الوعى الجماهيرى بخطورة الفساد، وهو من وجهة نظرى الأخطر فى مسألة انتشار الفساد وعدم القدرة على مواجهته والقضاء عليه.

وتشير التقديرات الرسمية أن إفريقيا تخسر كل عام ما يربو على 50 مليار دولار نتيجة الفساد والتدفقات المالية غير المشروعة، هذا الفساد يمثل عقبة كبيرة أمام تحقيق أهداف أجندة التنمية بين موارد القارة ويهدر جهود تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.

وقد اعتمدت الدول الأعضاء فى الاتحاد الإفريقى اتفاقية الاتحاد الإفريقى لمنع ومكافحة الفساد فى الدورة العادية الثانية للمؤتمر المعقودة فى "مابوتو" عاصمة دولة موزمبيق فى 11 يوليو عام 2003، بينما دخلت الاتفاقية حيز النفاذ فى 5 أغسطس عام 2006، أى بعد 30 يوما من إيداع صك التصديق الخامس عشر لهذه الاتفاقية.

وقد صرحت أمل عمارة، نيابة عن رئيس المجلس الاستشارى للاتحاد الإفريقى لمكافحة الفساد، خلال افتتاح المنتدى الإفريقى الأول لمكافحة الفساد فى شرم الشيخ، بأنه فى عام 2018 وصل عدد الدول الموقعة على الاتفاقية إلى 49 دولة، بينما صدق عليها 40 دولة حتى الآن، مشيرة إلى أن هذا يمثل 70% من إجمالى أعضاء الاتحاد الإفريقى.

وتنص مبادئ الاتفاقية على احترام المبادئ والمؤسسات الديمقراطية، والمشاركة الشعبية، وسيادة القانون، والحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان والشعوب وفقا للميثاق الإفريقى لحقوق الإنسان والشعوب وسائر صكوك حقوق الإنسان ذات الصلة، والشفافية والمساءلة فى إدارة الشؤون العام، وتعزيز العدالة الاجتماعية لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المتوازنة، وإدانة ورفض أفعال الفساد والجرائم ذات الصلة والإفلات من العقاب.

وتنطبق هذه الاتفاقية على أفعال الفساد والجرائم ذات الصلة فيما يتلخص فى استخدام أو إخفاء العائدات المتأتية من أى من الأفعال المشار إليها فى هذه المادة مثل المشاركة كفاعل رئيسى، أو فاعل رئيس مشارك، أو وكيل، أو محرض، أو متواطئ، أو بأى شكل من الأشكال فى ارتكاب أى فعل من الأفعال المشار إليها، أو محاولة ارتكابها فى أى تعاون أو تآمر لارتكاب أى فعل من تلك الأفعال.

والحقيقة أن الدولة تسعى طوال الوقت لتطوير جهاز إدارى كُفء ونزيه وفعال، وتقديم خدمات للجمهور ذات جودة، وتفعيل آليات الشفافية والنزاهة بالوحدات الحكومية، وتطوير البنية التشريعية الداعمة لمكافحة الفساد، لكن هذا وحده لا يكفى، فماذا لو نجحت الدولة فى ذلك كله ولم تستطع دفع الجماهير للتوقف عن التماهى مع السلوكيات التى تدفع نحو الفساد؟، فالفساد ليس فقط مجرد تلقى الرشوة، أو الغش التجارى أو الصناعى، لكن الفساد قد يدخل أيضا فى الطريقة التى يتم بها اختيار الأشخاص للوظائف، الخاصة منها أو العامة، وأيضًا تسهيل عمليات التربح فى المال الخاص، خصوصًا وأنه لا توجد تشريعات تسمح بمراقبة المال الخاص وحمايته، مثلما يحدث فى الجمعيات التعاونية واتحادات الشاغلين على سبيل المثال، تلك الكيانات التى تُرك الأمر فيها للتقاضى بين المتخاصمين، فى الوقت الذى ظلت التشريعات والآليات فيه تقتصر على حماية المال العام وحده، مع أن معظم تكلفة الفساد تكون بسبب الاعتداء على المال الخاص.

لا يمكن القضاء على الفساد فى دولة ما أو جهة ما إلا إذا نجحت تلك الدولة فى تعبئة الجماهير ضد الفساد، وتوعيتهم بأشكاله، وطرق مقاومته والكشف عنه، وتفعيل الآليات السهلة والمبسطة لتمكينهم من ذلك، وهو أمر سيصبح ممكنًا عن طريق الحوكمة والتوعية الإعلامية، وتوفير البنية المعلوماتية الإلكترونية التى تسمح للمواطن العادى بمعرفة أنواع الفساد، وطرق التصدى لها، والأهم هو تفعيل منظومة قانونية تنفيذية تتيح للمواطن الإبلاغ عن وقائع الفساد بسهولة ويسر ودون خوف، وأيضًا بثقة فى أن الدولة ستأخذ تلك الشكاوى على محمل الجد، وأنه سيكون هناك تصرف رادع يوقف هذا النزيف ويقضى على كل أشكال الفساد الظاهر منها والباطن أيضًا.

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز