حنان أبو الضياء
وإذا عرف السبب فلا عجب، لأن الـDNA لم يترك صغيرة إلا وافصح عنها، ومشروع الجينوم البشرى بمثابة انطلاقة كبيرة نحو كشف كل ما هو مستور.
منذ الخمسينيات من القرن الماضى، كان الجين أفضل اكتشاف بالنسبة للعالم، وخصوصا وأنه ليس مادة صماء، ولكننا نتعامل معه باعتباره كتابا يحكى آلاف القصص الحية.
ويشبه الإكسونات التى يتألف منها الجين الواحد بالفقرات المكونة للقصة، وتتكون الفقرة من كلمات تسمى فى علم الجينات كودونات، أما الكودونات فتتألف من مجموعة حروف تسمى القواعد.
كلمات القصص الجينية تتكون من أربعة حروف هى الأدنين والسيتوزين والجوانين والثيمين، وهى عبارة عن سلاسل طويلة من السكر والفوسفات تسمى جزيئات DNA.
ويوجد فى كل كتاب مليار كلمة، وفكرة أن الجينوم كتاب حقيقية بالمعنى الحرفى للكلمة، فالجينوم والكتاب معلومات رقمية تتحدد حسب شفرة تحول رموز الأبجديات الصغيرة إلى قاموس كبير من المعانى.
والجينات تروى قصة الحياة على الأرض، والكلمة الجينية هى أول ما وجد على الأرض، وأخذت تنسخ نفسها للأبد بلا انقطاع، ويحتوى الجسم البشرى على ما يقرب من 100 تريليون "مليون مليون" من الخلايا.
معظم الخلايا يقل عرضه عن عشر من المليمتر، ويوجد فى الداخل من كل خلية بقعة سوداء تسمى النواة، وداخل النواة مجموعتان كاملتان من الجينوم، عدا خلايا البويضات والحيوانات المنوية التى يحوى كل منها نسخة واحدة فقط، وتأتى إحدى مجموعتى الجينوم من الأم والأخرى من الأب.
تحتوى كل مجموعة على الجينات نفسها التى يبلغ عددها ما بين 60 إلى 80 ألف جين موجودة على الكروموسومات الـ23 التى يتضمنها الجينوم البشرى، ليتفرد كل إنسان بشخصية وصفات محددة، فهناك شخص لا مبال، وآخر عصبى المزاج أو قلق، وهناك من يلتمس المخاطر، وهناك الصامت والثرثار.
ويعتقد العلماء أن على الكروموسوم الحادى عشر جين يعمل فى الدماغ ويؤثر على الإشارات الكيميائية والكهربائية المختلفة، مما يدفع الدماغ للبحث فى الخيارات والحوارات واختيار أحدها، ولكن هذا لا يفسر سوى 4% من السلوك.
ربما كنا نحن البشر محددين تحديدا مدهشا حسب أوامر جيناتنا، ولكننا نتحدد أكثر بما نتعلمه فى حياتنا، فالجينوم يعالج المعلومات ويستخلص معلومات مفيدة بالانتخاب الطبيعى ويجسد هذه المعلومات فى تصميمه، والتعلم يختلف عن الذاكرة، فالغريزة سلوك يتحدث وراثيا، أما التعلم فسلوك تعدله الخبرة.
ومشروع الجينوم مشروع تكنولوجى طبى على أعلى مستوى، لدراسة الخريطة الجينية الوراثية للإنسان، وهو يهدف إلى فك شفرة 300 ألف جين موجود فى شريط الحامض النووى الموجود فى نواة خلية الإنسان.
مشروع الجينوم البشرى، غير الجينوم البشرى، لأن الجينوم البشرى يضم فى مجموعه كل الجينات أو المورثات الموجودة فى خلايا البشر، أما المشروع الجينوم البشرى فهو جملة النتائج والحقائق التى توصل إليها العلماء حاليا تجاه ماهية بعض المادة الوراثية وليس تجاه جميعها أو أغلبها.
المشروع عند اكتماله وتبلوره يصبح قانونا علميا وشأنا بيولوجيا محسوما فى حقيقته وماهيته وخصائصه وأدواره وآثاره، لذلك انتظروا الكثير من العلم فى الأيام المقبلة يفوق تخيلكم بكثير، ويتعدى ما قدمته أفلام الخيال العلمى.