أحمد الطاهرى
نوبات متعددة تهز نظام الملالى فى طهران خلال الأعوام الثلاث الماضية على وجه الخصوص التى تراجعت فيها "الجزرة" الأمريكية التى قدمها أوباما فى صيغة الاتفاق النووى وحضرت فيها "العصا"، التى حملها ترامب منذ دخوله إلى البيت الأبيض كأسلوب أكثر نفعا مع إيران .. وبهذه العصا بطحت جبهة إيران الدولة والنظام والمشروع بمقتل قاسم السليمانى .. ذراع دولة المرشد الإيرانى الذى استقبله العالم يوم أمس مبتورا.
بالأمس عاشت الولايات المتحدة أجواء سياسية صاخبة بعد إعلان البنتاجون نبأ مقتل السليمانى وتبع ذلك تغريدات متلاحقة من الرئيس الأمريكى ترامب وسريعا ما سحب الأمر على المعركة الأنتخابية بهجوم من قبل اعضاء الحزب الديمقراطى ولكن فى المحصلة حقق ترامب عدة انتصارات.
بداية لا بد أن نقف أمام دلالة معنوية .. أن القراءة المدققة للأحداث وتتبعها يبدأ من الـ29 من ديسمبر بقيام الولايات المتحدة بقصف خمسة كتائب تابعة لحزب الله فى العراق وسوريا قامت بتنفيذ 11 هجوم ضد مواقع أمريكية وخلالها قتل مقاول أمريكى، ولكن وفى تقديرى وعلى عكس ما يفسر البعض أن قتل سليمانى جاء ردا على قتل المقاول بعد تحذيرات ترامب من المساس بأى أمريكى، فإن المنطق يقود إلى أن انتقام أمريكا بهذا الشكل العنيف جاء ردا على حصار السفارة الأمريكية فى بغداد، والذى تقف خلفه إيران ويقف خلفه السليمانى بشكل تنفيذى على الأرض.
وفى هذا الأمر نتحدث عن جرح أمريكى غائر يعود إلى نوفمبر عام 1979 المعروف بأزمة الرهائن الأمريكية فى إيران عندما تم اقتحام السفارة الأمريكية فى طهران واحتجز 52 دبلوماسيا أمريكيا لمدة 444 يوما وانتهت فى 20 يناير 1981 .. وبالتالى فإن ما جرى فى حصار السفارة الأمريكية فى بغداد كانت تدرك إيران مدى ألمه النفسى كمن يتعمد إلقاء "سبرتو" على جرح لم يلتئم فكان الرد الأمريكى عنيفا بشكل يتجاوز الاستيعاب الإيرانى.
بعض المحللين ذهبوا إلى أنه تصرف متسرع من دونالد ترامب وهو رأى لا أميل له أخذا فى الاعتبار ديناميكية صناعة القرار الأمريكى .. إن هذه العملية بشكلها المبسط تداخل فيها عدد ليس قليل من المؤسسات الأمنية الأمريكية فضلا عن البنتاجون ومجلس الأمن القومى الأمريكى حتى وإن تم تجاهل الكونجرس على النحو الذى صرحت به السيناتور نانسى بيلوسى .
وهنا مكسب دونالد ترامب الثانى أنه فعل ما لم يجرؤ عليه أوباما وقد تعمد إظهار ذلك فى تغريداته المتعددة بشكل مبطن وكانت رسالة للناخب الأمريكى فى الأساس أو كتلة ترامب الانتخابية، التى يتم تصوير الكونجرس لها الآن على أنه يتعمد إيقاف ما يحققه ترامب لهم من مكاسب اقتصادية، وبالتالى سيذهب ترامب إلى استجواب العزل المنتظر على الرغم من كونه محسوم النتيجة مسبقا بوضعيه أفضل، ففى شهرين تخلص من زعيم داعش أبوبكر البغدادى ومن بعده ضربة هيكلية فى النظام الإيرانى بمقتل السليمانى.
المكسب الثالث وهو رسالة لحلفاء أمريكا فى الخليج العربى وخاصة المملكة العربية السعودية أن إدارة ترامب أكثر حسما مع خصمها الاستراتيجى فى الشرق الأوسط من إدارة أوباما.
ولكن هل الأمر بهذه السهولة .. المؤكد أن إيران ستسعى إلى الرد عبر وكلائها وهذا هو "خاتم السليمانى" سواء فى قيام حزب الله بتوجيه عمل انتقامى تجاه إسرائيل وفى هذه الحالة وبالنظر للظرف السياسى والاقتصادى فى لبنان، الذى يمر بحالة ثورية فإن أى عمل عسكرى على لبنان مشابه لما قامت به إسرائيل عام 2006 قد يدفع بلبنان مباشرة إلى مصاف الدول المنكوبة.
فى حين أن القلق الحقيقى يتجه نحو استهداف الأمن القومى للمملكة العربية السعودية من خلال الذراع الإيرانى المعروف بميليشيات الحوثى فى اليمن .. وهنا مكمن الجرم الإيرانى فهى لن تستطيع الرد المباشر ولكن عبر وكلاء وعلى حساب الأمن القومى للدول العربية.