د. أحمد سلطان
طبيب الغلابة لم يطلب شهرة ولا مال لأنه يؤمن أن هناك بالفعل من يستيقظون كل صباح من أجل أيضا أن يكونوا عونا للجميع بدون مقابل.
مات من قال عاهدت الله ألا آخذ قرشا واحدا من فقيرا أو معدوم، حينما اكتشفت بعد تخرجى أن أبى ضحى بتكاليف علاجه ليجعل منى طبيبا، مات ملاك الرحمة بالنسبة لفقراء الغربية، مات من قال أنا عايز أفضل بين الغلابة.
الدكتور محمد مشالى كرس حياته لخدمة المرضى والفقراء بدون مقابل أو بمقابل زهيد لا يذكر، بل كان يكشف على المعظم بدون مقابل وصرف العلاج مجانا لهم، مات من لم يتاجر بعمله رافضا عيادة مجهزة فى أرقى الأحياء قائلا أنا زاهد والحمدلله.
الدكتور محمد عبدالغفار مشالى مواليد محافظة البحيرة، تخرج من أعرق كليات مصر طب القصر العينى عام 1967، ظل مشالى طبيب الباطنة يحافظ على مهنته ويعمل بقسم المهنة، حتى اشتهر بلقب طبيب الغلابة بين أهل مدينة شيخ العرب، كان يعمل لنحو 12 ساعة يوميا، طبيب الغلابة بدأ تذكرة الكشف بمبلغ 10 قروش ووصلت لمبلغ 10 جنيهات فى رسالة لكل أطباء مصر.
طبيب الغلابة مات وهو يقول أنا خلقت للفقراء والمحتاجين، الموت خطف أجمل ما فينا خطف ملاك الرحمة ورسول الحب بيننا، مات واحد من أغنى الناس ولا أقصد غنى المال، ولكنه غنى بحب الناس.
50 عاما من العطاء ولا يزال كشفه 10 جنيهات، هذا الرجل مثال للإنسانية والرحمة وأخلاقيات المهنة التى أصبحت نادرة فى زمننا فهذا الرجل قدم رسالة سامية قل أن نجد مثلها، هنيئا له ما قدم وجعل عمله عند الله سببا لدخوله رحمته.
ومن أجمل القصص على لسان مشالى "حضرت لى واحدة ابنها يحتضر والمستشفيات لم تقبله لـنها معدومة أسيبه يموت علشان خمسين جنيه ويضيف حضرت طفلة حرارتها مرتفعة أسيبها تعانى علشان خمسين جنيه"، الله أكبر وأعظم الصدقة ما كانت فى الحفاظ على الأرواح وليست صدقة المال هى فقط إقراض المولى عز وجل.
بل أعظم من صدقة المال صدقة مشالى التى جمعت بين المال والعلم، فيداوى الغلابة والمعدومين حفاظا على أرواحهم، اللهم أعطه ما جاء فى وعدك وزيادة المتمثل فى قولك الحكيم "من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون".
فالزهد معنى يعاش وليس كلمات تقال.. الزهد حالة، ومشالى طبيب الغلابة هو نموذج يتجسد فيه معانى الزهد والإنسانية، وفى ظنى لو أن الأمة امتلأت بالزهد والرضا الذى ملأ هذا الرجل، لكان حالنا اليوم غير الحال، عاش مشالى ممارسا مهنة الطب والرحمة بالمطحونين والفقراء وعشق القراءة.
وأخيرا وليس آخرا، كرموا رموزكم بغض النظر عن حالتهم المادية، كرموا رموزكم عن أعمالهم ومواقفهم الإنسانية، كرموا رموزكم وهم أحياء بينكم، مات مشالى تاركا رسالة ودرس للجميع من يسعى إلى المال، فليذهب للعمل بالبورصة والاستيراد والتصدير، لأن مهنة الطب مهنة إنسانية تتسم بالضمير الحى واليقظة وإعطاء كل مريض حقه، حتى ولو لم يكن قادرا على الطب.
مات مشالى ولكن وصيته ورسالته لم تموت، مات وهو يوصى خيرا بالفقراء ومؤكدا على الإنسانية بأنها الصفة الأساسية لبنى البشر والسلاح الأقوى فى الدنيا والأبقى لنا فى الأخرة، مات وترك لنا تمثالا منحوتا فى قلوب الفقراء.