الدكتور هشام عبد العزيز - رئيس حزب الإصلاح والنهضة
ونتيجة للموقف التركي تصور البعض بأن الدولة المصرية قد يتم استدراجها إلى صراعات جانبية أو قد تستجيب للاستفزازات، ولكن السياسة الخارجية المصرية ترتكز على قواعد مستقرة يمكن وصفها بأنها "عقيدة السياسة الخارجية المصرية"، حيث تتصرف مصر دائمًا من منطق الدولة ذات السيادة، والتاريخ العريق، ومقومات القوة الشاملة، فلا تستدرج إلى صراع ولا تتورط في مواجهات لا طائل من ورائها، وهكذا كانت الدولة المصرية مثالًا للحكمة والصبر والتسامي فوق تلك الصراعات الجانبية، وإعلاء مصلحة الوطن والأمن القومي فوق كل الاعتبارات.
ولكون الموقف المصري موقفًا ثابتًا راسخًا نابعًا من أننا أصحاب الحق، فثورة 30 يونيو لم ولا يمكن وصفها بالانقلاب كما روج لذلك بعض قادة الدول الإقليمية ومن ضمنها تركيا، بل هي ثورة شعبية مكتملة الأركان، ولكون من حق مصر وأمنها القومي ألا يصاب أي مصري بأذى في أي مكان، كان التحرك المصري للقصاص لشهدائها في ليبيا سريعًا وحاسمًا، تم رسم خط أحمر في "سرت" لكافة القوى المتناحرة في ليبيا، وبالمثل في غاز المتوسط وترسيم الحدود، وكذلك في الموقف الثابت من ممارسات الجماعة الإرهابية وغيرها من القضايا العالقة بين مصر وتركيا وغيرها من القوى الإقليمية.
وكانت النتيجة الطبيعية أن تكون الزيارة الأولى من الرئيس التركي لمصر، وتكون الخطوة الأولى من قبل تلك الزيارة هي التقارب التركي من مصر وليس العكس، وهي خطوة ثمنتها مصر متجاوزة الخلافات العميقة، إعلاء لمصلحة مصر العليا، والأمن القومي، ليس المصري فقط ولكن العربي أيضًا، فكان رد الزيارة من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي دليلًا دامغًا على أن مصر تتعامل كما ردد ذلك السيد الرئيس أكثر من مرة بمنطق "الشرف والأمانة والصدق" وبأن مصر بحق هي الشقيقة الكبرى للعرب وقوة إقليمية وركيزة أساسية في أمن واستقرار المنطقة بأسرها.
دلالات الزيارة متعددة، وأجندتها متخمة بالقضايا المختلفة، العسكرية والسياسية والاقتصادية والأمنية، قضايا متشابكة، تجمع بين خطر الحرب الشاملة في المنطقة بعد 7 أكتوبر، والغطرسة الإسرائيلية في غزة والضفة، مع تحركات غير محسوبة من بعض الأطراف الأقليمية التي تسعى لتأجيج الصراع، بينما مصر تقود كعادتها التهدئة بحكمة وحزم وثبات وصدق، تتشابك قضية غزة مع وضع متأجج في السودان، وتعنت أثيوبي في ملف سد النهضة وتصعيدها "غير مسؤول" في القرن الإفريقي، تتلاقى المصالح المصرية والتركية في قضايا بينما تتقاطع في أخرى، وتلك طبيعة العلاقات الدولية بين الدول الكبرى.
ولكن عقد الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين بقيادة الزعيمين المصري والتركي هو رسالة واضحة بأن البلدين ينظران للأمام، للمستقبل، حيث ينتظر من الزيارة توقيع العديد من الاتفاقات الاقتصادية تضم إلى العديد من التقاربات بين البلدين في الشؤون السياسية والاستراتيجية والعسكرية، نحو إقليم مختلف، من أهم ركائزه مصر، التي أنقذها زعيمها من "سيناريو الحرب الأهلية" لتعود أكثر استقرارًا وأمنًا وقوة وتنمية وإزدهارًا، لتؤكد من جديد بأن عاصمة القرار الحقيقية في الشرق الأوسط هي "القاهرة".