مظاهرات إيران
منذ أن تحركت الجماهير من مدينة مشهد الإيرانية والجميع ينظر إليها باعتبارها غضب عادى، مجرد متنفس لفوران الحنق والضيف الشعبى على الوضع الاقتصادى الذى طال كل شىء، وأبت السلطة إلا أن تشارك فيها بإعلان الرئيس روحانى قبل أيام اعتزام حكومته رفع أسعار سلع أساسية كثيرة.
وتصاعدت حدة الغضب الشعبى الإيرانى، خلال أسبوع التظاهر الماضى، حتى سقط حتى الآن أكثر من 22 قتيلا، واعتقلت السلطة الإيرانية المئات، ووقعت حوادث خريب وعنف شديد فى أقطار إيران.
إلا أن محللين يرون أن ورقة الحسم فى استمرار التظاهرات وإحداثها لتغيير ملموس لم تخرج من جعبتها بعد، فبينما تتسع الاحتجاجات الشعبية ضد النظام فى مختلف أنحاء إيران التى تسكنها قوميات متعددة، هناك قومية لم تعلن نفسها ولم تظهر موقفها، برغم أهمية ذلك القصوى وتأثيره على مجرى الأحداث فى إيران.
وضع استثنائى
أتراك إيران، أو من تسميهم الدولة الفارسية بـ"الآذريين" عمدًا، لفصلهم عن التاريخ والجغرافيا والهوية التركية، بحسب مؤرخين، يبلغ عددهم نحو 20 مليون نسمة، ما يتعدى 22 % من عدد سكان البلاد، ما يجعلهم ثانى أكبر قومية بعد الفرس.
وما يجعل أتراك إيران لا يصطدمون بالدولة الإيرانية معاملة السلطة لهم، فبرغم عدم رضاها بوجودها، واضطهادها لكل العرقيات فى إيران تقريبًا، و يمارس القمع والسجن والإعدامات والتنكيل، إلا أن السلطة تتعامل مع الأتراك بحذر، فهم من ضمن القوميات الست الكبرى (الفرس والاتراك والعرب والأكراد والبلوش والتركمان).
يعتبر الأتراك أكبر قومية غير فارسية فى إيران، من ضمن القوميات الست الكبرى (مع العرب والفرس والأكراد والبلوش والتركمان)، وهم يقطنون المناطق الشمالية والشمالية الغربية من البلاد، ويتراوح عدد نفوسهم بين 20 و25 مليون نسمة، ويصل توزيعهم السكانى حتى إلى العاصمة طهران. وهناك من يعتقد أن نصف سكان العاصمة يأتون من جذور تركية.
ووفقا للإحصائيات الرسمية فى إيران، وغياب مصادر أخرى، يخمن بأن معظم الأتراك يعتنقون المذهب الشيعي، على الرغم من وجود توزيع ملحوظ من الطوائف الأخرى بينهم.
وقد لعب الأتراك تاريخيًا أدوارًا مهمة فى إيران، ووفقًا لمعظم التقديرات والمؤشرات، فإنهم سيلعبون دورًا مهمًا فى المستقبل أيضًا.
والنظام الإيرانى يقوم بالقمع والسجن والإعدامات والتنكيل ضد كل القوميات بلا هوادة، لكنه يتعامل مع الأتراك بحذر. وعندما يصل الأمر لمواجهة الحراك التركي، ينظر بخوف وريبة إلى قومية متداخلة بنيويًا فى كل أركان السلطة، ولديها سيطرة اقتصادية وطموح سياسى وتطلع ثقافى فى كل أنحاء المجتمع الإيراني، حيث يتجاوز ثقلها الاقتصادى وزارات الدولة، ويهيمن على «البازار» الإيراني، من تبريز إلى طهران، ويقف عند حدود أصفهان (العاصمة التاريخية للصفويين).
وإذا ما عدنا للتاريخ، فقد حكم الأتراك فى إيران البلاد قبل مجيء السلالة البهلوية، أى من عام 1794 حتى 1925 (لمدة 131 عامًا)، ولكن طيلة كل هذه السنين لم يفرضوا لغتهم التركية بالقوة على باقى القوميات، عكس البهلوية التى فرضت الفارسية بالحديد والنار، وهى اللغة التى كانت بالأساس لا تمثل أكثر من ثلث نفوس إيران.
وكشف أحد المراكز الإحصائية واليحثية الإيرانية "المزماة"، أن فى إيران يوجد أكثر من مليون أذرى يسيطرون على الأسواق التجارية فى طهران وحدها، ويتواجد معظم الآذريين فى محافظات أذربيجان الشرقية وأردبيل وزنجان وأجزاء من أذربیجان الغربیة، وبأعداد قليلة فى محافظات أخرى مثل كردستان وقزوين وهمدان وغیلان ومركزي.
عندما غضب الآذريون
وكانت مشاركة الأذريين فى ثورة عام 1979 سببا كبيرة فى الإطاحة بحكم الشاه محمد رضا بهلوى، لما لهم من كتلة ضخمة، كما أنهم ساعدوا فى تكون نظام "الملالى" وأن يكون على رأس السلطة، لذا تغلغل نفوذهم فى كل مفاصل الدولة لمعرفتهم الجيدة بالإدارة.
ومن أبرز الأشخاص الذين ترجع أصولهم إلى "أتراك إيران" مرشد إيران الحالي، على خامنئى، والرئيس الإيرانى السابق، والمعارض البارز مير حسين موسوى.
كما أنهم فى أحداث 2009، كان لموقفهم المؤيد للنظام عاملًا كبيرا فى إخماد التظاهر، فقد اعتبروا أن ما يحدث حينها يفتعله بعض السياسيون لا أكثر، لكن الجديد فى الاحتجاجات الأخيرة، خرجت مظاهرات من مدن أذرية مثل أرومية وتبريز، مطالبة بإسقاط النظام.