
يسرى الفخرانى
"أنا نادية لطفى".. كانت هذه أول مرة نلتقى بمكالمة منها، كان الكبار فى هذا التوقيت مهما كانت نجوميتهم وسيرة حياتهم.. حريصون على مكالمة من يكتب عنهم مهما كان المقال مختصرا أو كان الكاتب فى بداية مشوار حياته.
وكنت قد كتبت عنها بمناسبة عيد ميلادها الستين، وراقبت كيف صنعت شخصيات متنوعة من فيلم إلى آخر، من الخطايا إلى النظارة السوداء إلى أبى فوق الشجرة.. وبينهم عشرات الشخصيات التى لا يمكن أن تتصدى لهم سوى ممثلة فى غاية الموهبة والاحتراف والدقة والتضحية.
كم كانت جريئة فى قبول دور اعتبر وثبة فى حياتها عن رواية "السمان والخريف" للأستاذ نجيب محفوظ، الفقيرة المنحرفة التى تمتلء بأمال فى الحب لا يمكنك إلا أن تسامحها وتطلب لها الغرام من أوسع أبوابه.
لا يمكنك أمام بولا محمد لطفى شفيق إلا أن تفكر كيف جاء هذا الجمال من أب صعيدى من قنا وأم فلاحة من الزقازيق؟ لكن بولا أو نادية لطفى سعيدة دائما بأن فيها خلطة ذكية من صلابة الجنوب وخصوبة الشرقية، وأنها قد اقتبست جمال الأب وعقل الأم.
وبعدين عجبنى اسم نادية فى رواية إحسان عبد القدوس اللى كان اسمها "لا أنام".. حبيته يكون اسمى، ومن هنا.. بقيت نادية لطفى هكذا ببساطة تحكى لى عن سر اسمها، وكيف غضب إحسان عبد القدوس واعتبر الأمر سرقة أدبية، لكن بعد قليل يصبحون أكثر من أصدقاء، وتمثل له واحدة من أهم رواياته وأروع أدوارها فى النظارة السوداء، حكاية البنت المتحررة فى نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، كلاهما: إحسان ونادية لطفى سبقا كل الأزمنة، الأول لأنه كتب والثانية لأنها بجرأة وافقت.
أجمل من تمثيل نادية لطفى حكاياتها، إنها سيدة تعرف كيف تحكى وتضحك وهى تحكى، وتمثل لك كل حكاية ترويها بإتقان، كما الأجمل أنها تحمل قلب طفل ولسان طفل.. إذا أحبت قالت وإذا غضبت صرخت.
لم تفقد نادية لطفى حيويتها حتى اقترابها من الثمانين، لأنها لم تغلق عليها صندوق الشهرة والتمثيل وتكتفى بقصص حب وثراء وصعود وهبوط، كانت دائما تحمل حلما وتحمل قضية وتحمل فكرة وتحمل مسافات ترغب فى أن تقطعها.
فى الحرب اللبنانية.. حملت كاميرتها وسجلت مئات القصص عن الجرائم التى حدثت واغتصبت حياة آلاف اللبنانين.
وفى زلزال التسعينيات الذى ضرب القاهرة.. جمعت المساعدات واصطحبت واحدا من أقرب أصدقاء عمرها الفنان جورج سيدهم، ونزلت تلف الشوارع والبيوت توزع البطاطين والطعام لمن سقطت بيوتهم.
من إلا تلك الفنانة يفعل ذلك؟
من إلا نادية لطفى التى كان الأستاذ نجيب محفوظ بكل تحفظه يسميها المرأة الغاضبة.
من إلا هى التى حرصت على أن تفتح بيتها لمن تحتاج من الفنانات لكى تقيم عندها حتى تنتهى أزمتها، من سواها بكى كل زملاء عمرها بكل تلك الدموع؟
من إلا هى فى نقطة توهجها الكبيرة تمثل أفلام: الناصر صلاح الدين وتخضع لشروط يوسف شاهين، وتكرم بديعة مصابنى بفيلم مازال هو السبب الوحيد لبقاء الراقصة بديعة حب نجيب الريحانى الكبير.
عدو المرأة، بين القصرين، لا تطفئ الشمس، الأخوة الأعداء، كأنها خلقت لكى تصنع سينما لا تتكرر، روايات تبدو كأنها كتبت فقط لتلك الشقراء الحلوة.
نادية لطفى
كالعادة.. لم نقدم لها ما تستحق أن تحصل عليه.
