يسرى الفخرانى
أقرأ المكتوب متأملًا نفسى، فتلك الأيام نداولها بين الناس، ولا أحدًا كبير على الموت إلا خالق الموت وخالق الحياة.
ليس فى الأمر ما يخيفنى، إذ ماذا يخيف من الموت؟.. نحن نخاف من ما بعد الأشياء.. المرض، والهزيمة، والإهمال، والفشل، والضربة الموجعة، ولكن ليس بعد الموت موت، ولا بعده ألم وثمن ووجع.
إننا نخاف الموت الذى يحرمنا من أغلى الناس فى حياتنا، ويحرمهم منا، من عنايتنا لأرواحهم وحراستنا لحياتهم .. ولا نخاف أن يحرمنا موتنا منهم.
الموت قادم لا محالة.. إذا لم يكن فى هذا المرور على صفحتى بأسماء أخرى .. ففى مرور قادم قادم.
وفِى مهابة الموت ضرورة، لأن المهابة تأتى من موعد منتظر للقاء الله قد حانت، ولا مفر من الاستعداد اللائق للقاء وجه كريم، وما أجملَ ولا أجلَّ ولا أعظمَ وأحن من وجهه.
وفِى هذا سبب آخر، لأن تتحول المهابة إلىّ واحة عشق مستقرة الماء تروى العطش.
وفِى هذا سبب أو أسباب لنفهم أن الحياة بكل صعوبتها، وأثقالها لها وجه آخر من بساطة العيش فيها، فنفهم أن حروبها نوع من الاختبارات ومشاكلها نوع آخر من الاختيارات، وما بين اختباراتنا واختياراتنا يجب أن نتحيز لكل الخطوط القصيرة الواضحة لحياة جيدة تكسب فيها السعادة أسباب الحزن.
لأخبار الموت فائدة لا نتوقف للأسف عندها كثيرًا.. ولو توقفنا لاعتدلت الحياة مثل ألطف الأيام فى موسم الربيع .. سندرك أن العواصف تنقل اللقاح الذى يزهر الشجر ويثمره، فلا نلعنه ونتذمر.
لماذا خُلقت الحياة قصيرة بالمقارنة بالخلود بعد القيامة؟.. كم سنة نعيش فى تلك الرحلة؟ فى هذا مسار لرحلة الإنسان أن يختار تلك الكلمات البسيطة التى تجعل لحياته معنى وتشكل عبارات مفيدة دون أن تسرق العمر وتنهش أطرافه فى لذة.
كثيرًا منا لا يفطن لأهمية أن الحياة قصيرة، وأن النهاية مختبئة خلف باب الميلاد، فيملؤها بأشياء غير مجدية، متناثرة مهلكة تُثقل ولا تجعل القلب خفيفًا مرحًا بسيطًا.
إننا نرغب فى حياة حلوة .. نحن نستحقها، ولكننا لا نعمل لكى نجعلها كذلك.. نحن أسرى رغبات شائكة متقاطعة، ولَم نفهم أن الحياة ليست إلا بيتًا صغيرًا يطل على مكان رائع نجتهد فى اختياره أهم ألف مرة من اختيار ما نملؤه به.
كيف ترى الحياة؟.. لا كيف تراك الحياة؟.. هكذا يعلمنا الموت اختيار الزوايا الأجمل لا اختيار الحمولة الزائدة.
فى المرات القادمة، لن أقرأ نعيى على صفحتى .. لأننى فعلًا أحب الحياة أحبها جدًا.