البث المباشر الراديو 9090
د. محمد حبيب
من حسن تدابير القدر أن تجتمع مناسبتان لا يمكن نسيانهما فى تاريخ مصر اليوم الإثنين.

إحداهما حاضرة بالتاريخ الميلادى 5 يونيو "هزيمة واستسلام"، الذكرى الخمسين لنكسة 1967، والأخرى "نصر وكرامة " حاضرة بالتاريخ الهجرى بالتحديد 10 رمضان، الذكرى الـ44 لانتصار حرب أكتوبر 1973، حرب الكرامة ورد الاعتبار، التى سجلت فى التاريخ باسم العسكرية المصرية، وما زالت معظم بطولاتها لم تكتب بعد.

وبعيدا عن دلالة تزامن المناسبتين المتضادتين فى يوم واحد، وتلاشى الفاصل بينهما رغم أنه 6 سنوات، تفصل بين الحدثين هى عمر حرب الاستنزاف. وهى تشبه أيضا الـ6 سنوات، كما يرى البعض وأنا منهم، التى تلت يناير 2011. وكأنها رسالة ربانية لمصر شعبا وحكومة بأن أسباب النصر معلومة "فاتبعوها"، ومقدمات النكسة معروفة "فاحذروها".

ورغم اعتزازى وتقديرى للانتصار العظيم فى رمضان 73، إلا أنه مقارنة بما تواجهه مصر الآن مجرد فصل فى ملحمة، هكذا أرى، سواء من حيث حجم المخاطر ونوع التحديات وطبيعة التهديدات التى تواجهها مصر، على جميع الجبهات فى وقت واحد.

فى رمضان 73 كانت معركتنا على الجبهة الشرقية فقط، بإجماع شعبى وبمشاركة ودعم عربى وغطاء دولى عكس الآن، المصريون ليسوا على قلب رجل واحد، غاب الدعم العربى بفعل فاعل، والغطاء الدولى تحركه بوصلة المصالح .

فى رمضان 2017، الحرب على جميع الجبهات ولأول مرة فى تاريخ مصر الحديث.. نحن لا نواجه مخططات إسرائيل وحدها فى المنطقة، أو نفوذ إيران المتمدد، أو أحلام "قردوغان تركيا" الوهمية، أو عته الأقزام من أمثال تميم بن حمد، أو مطامع الدول الكبرى فى المنطقة، التى تجددت بعد انهيار بعض الدول فى المنطقة بعد 2011، واكتشافات الغاز.

فى رمضان 2017 نحن نواجه أعداء كثر تكالبوا علينا طمعا أم حقدا.. نقصا أم كراهية وتصفية حسابات، وهؤلاء جميعا اتفقوا على الهدف النهائى تغييب وتشويه مصر ودورها الإقليمى، واختلفوا فى الوسائل تارة بسلاح الإرهاب الذين يتحكمون فيه بالريموت كنترول، وتارة أخرى بإثارة الفتنة الطائفية بكل الوسائل، وتارة ثالثة بالحصار الاقتصادى، ورابعة بالحرب النفسية وكل الأساليب غير المشروعة لنشر اليأس والتشكيك فى كل شىء باستخدام سلاح الشائعات والسخرية، واستغلال الفشل الحكومى أو البرلمانى لتأليب فئات الشعب.

مصر فى رمضان 2017 تواجه الخونة والعملاء والفاسدين فى الداخل الذين يتاجرون بمعاناة الناس وهى حقيقية ومؤلمة، من أجل أهدافهم الخبيثة، وللأسف يشارك البعض عمدا أم جهلا فى هذا المخطط وأحيانا بحسن نية غير مقبول، أو مطلوب أو مبرر.

مصر فى رمضان 2017 تخوض المعركة المؤجلة ضد شبكات ومافيا وحيتان الفساد، سواء فى ملف التعدى على أراضى الدولة، أو فى المؤسسات الحكومية، ولعل الدور الذى تقوم به الرقابة الإدارية وباقى الأجهزة الرقابية خير برهان لا يغفله أى متابع.

الأخطر فى حرب رمضان 2017... غياب الوعى الجماعى بنوع وخطورة الحرب التى نتعرض لها، والدور المطلوب منا جميعا، سواء من قبل مؤسسات رسمية، أو بين الشعب أو حتى بين من يطلقون على أنفسهم نخبة، أو قادة رأى أو الإعلاميين من أنصاف المتعلمين والمتحذلقين... رغم أن المعارك مستمرة حتى اللحظة لا تتوقف، وعلى جبهات عدة، ويسقط شهداء يوميا من خير جنود الأرض من الجيش والشرطة.

الأهم أيضا فى رمضان 2017 نحن نواجه معركة بناء وتنمية مصر، والحرب على الفساد ولا مجال هنا للحديث عن الإنجازات التى تحققت أو المشاريع القومية فلها مجال آخر، لكنى أتوقف عند نجاح الرئيس بامتياز فى إدارة الملف الشائك للعلاقات الخارجية بين مصر ومحيطها الإفريقى أو العربى أو الإقليمى أو الدولى، بما يحافظ على الأمن القومى المصرى والعربى.

ولعل الرؤية التى طرحها الرئيس السيسى فى مؤتمر القمة العربية الإسلامية الأمريكية، واعتمدها مجلس الأمن كوثيقة تاريخية، لما يجب أن تكون عليه الحرب الحقيقية والجادة ضد الإرهاب.. كانت عنوانا لمعركة ما زالت مصر تخوضها وحدها، حتى لو استدعى ذلك خروج القوات المصرية خارج الحدود فى مهام ثأرية فورية لحوادث تعرض لها مصريون مسيحيون لثانى مرة، فى سابقة هى الأولى من نوعها فى التاريخ الحديث، وإعلان الرئيس أن مصر لن تتردد فى ضرب أى بؤر لتدريب أو احتضان أو تمويل الإرهابيين فى أى مكان ما دامت تهدد الأمن القومى المصرى.

باختصار... فى العاشر من رمضان 2017، مصر تخوض حرب إثبات وجود للحفاظ على أمنها القومى، وتقود معركة بناء أمة، وتحيى مشروع استنهاض شعب وإحياء حضارة، العالم كله أحوج ما يكون إلى أقدس مبادئها "الأخلاق والعلم".

كل سنة وكل مصرى فخور بقواته المسلحة وشرطته، لديه وعى حقيقى بالمخطط الذى يستهدف بلاده، مدرك لحجم التهديدات، صامد فى وجه التحديات، لديه إصرار على بناء مستقبل أفضل لأبنائه .

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز


اقرأ ايضاً



آخر الأخبار