البث المباشر الراديو 9090
محمد عبد المنعم
فى كتابه "المتلاعبون بالعقول Mind managers" الذى صدر عام 1973، يشرح الكاتب الأمريكى هربرت شيللر مفاهيم مهمّة، على رأسها التضليل الإعلامى، والوعى المعلّب، وكيفية التحكم بالرأى العام.

ويؤكد أن التلاعب بالعقول صناعة، تقوم على عدة وسائل، ربما يكون أهمّها: التعددية الإعلامية، وهى أسطورة من أساطير السيطرة على العقول، وتضليل الوعى الشعبى.

يقول ميللر: هل أصبح تطور الإعلام وتعدد وسائله وباء ووبالا على الأوطان؟

وجدتنى وأنا أطرح هذا السؤال أتذكر جوزيف جوبلز، صاحب المقولة الشهيرة "أعطنى إعلاما بلا ضمير، أعطيك شعبا بلا وعى".. جوبلز صاحب آلة الدعاية النازية الجبارة، الذى صوّر أدولف هتلر للألمانيين على أنه منقذهم، وأحد أساطير الحرب النفسية، وأبرز وأهم من استثمروا الإعلام لتحقيق مآربهم، صاحب شعار "اكذب حتى يصدقك الناس".

ورغم أن جوبلز انتحر فى النهاية، فقد ترك وراءه مدرسة وأتباعا مجدّوا منهجه وطوّروه، من أجل هدم الأوطان بيد شعوبها، فأصبح من يملك الإعلام، صاحب القول الفصل فى مصير الأوطان، والشعوب ما هى إلا أحجار على رقعته.

الإعلان الخفى

فى عام 1957، أراد خبير التسويق والترويج الإعلانى الأمريكى "جيمس فيكارى"، معرفة تأثير الإعلان على عقل المتلقى الباطن، فاتبع حيلة غريبة، حيث استخدم جهازا يطلق عليه "تاشيستوسكوب Tachisto scope" فى إحدى دور السينما بنيويورك، وكتب من خلاله على الشاشة "هل أنت عطشان؟ اشرب كوكا كولا.. هل أنت جائع؟ كُل فشارًا".

جيمس فيكارى

وكانت تلك العملية تتم كالتالى:

تظهر تلك العبارات كل خمس ثوانٍ، بسرعة خاطفة على الشاشة، فى أثناء عرض الفيلم، دون أن يدرك المشاهد أنه يقرأها بالفعل، فيما يسجّلها عقله الباطن بعناية. وبمتابعته البيع عند البوفيه خلال الاستراحة، اكتشف الخبير التسويقى أن 90% من المشاهدين يتوجّهون لا إراديا لشراء الكوكاكولا أو الفشار، فأطلق على تجربته اسم "الإعلان الخفى" أو Subliminal Advertisement.

لكن الكونجرس أقام الدنيا ولم يقعدها، قبل أن يجرّم اللجوء لهذه الوسيلة، واختفى صاحب التجربة فجأة، ومع ذلك، أدركت أمريكا أهمية التجربة، وطوّرتها لاستخدامها فى السيطرة على العالم، باستحداث علم اسمه البرمجة اللغوية العصبية، الذى ينحو للتأثير على العقل اللاواعى، برسائل غير مباشرة، تنتقل إلى العقل الواعى لينفّذها.

ما حروب الجيل الرابع؟

ظهر علم إدارة الأزمات عام 1962، بعد أزمة الصواريخ الكوبية الشهيرة، حينما أعلن روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع الأمريكى آنذاك، أنه لم يعد هناك مجال للحديث عن استراتيجية عسكرية، وإنما للسيناريوهات وإدارة الأزمات، وهو ما أسفر عن نشوء علم إدارة الأزمة، وتطوّره فيما بعد، وحينها قال إن الحروب المقبلة ستكون حروب العقول، التى عمادها البرمجة اللغوية العصبية.

روبرت ماكنمارا

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وإعلان النظام العالمى الجديد، دخلنا عمليا عصر حروب الجيل الرابع، الذى يشهده العالم حاليًّا، ويعتمد على التدمير الذاتى للدول، دون الحاجة لتدخل قوة عسكرية من الخصم، أو بمعنى أدق: صناعة سيناريوهات وخطط سابقة التجهيز لشن حرب نفسية وذهنية من داخل الدول المستهدفة، باستغلال التطور التكنولوجى المذهل فى وسائل الاتصال والإعلام، والتى لم تعد تعترف بحدود سياسية للدول، واللعب على حالة الاحتقان السياسى والاقتصادى والاجتماعى داخل هذه الدول، وقديما قال روميل: "القائد الناجح هو الذى يسيطر على عقول أعدائه قبل أجسامهم".

واستُخدم مصطلح حروب الجيل الرابع لأول مرة عام 1989، من قبل بعض القادة العسكريين الأمريكيين، لوصف الحروب اللامركزية، التى لا تحتاج لتحريك الجيوش، ثم استخدمه ماكس مانيورانج، الأستاذ بمعهد الدراسات الاستراتيجية بكلية الحرب الأمريكية، ووصفه فى محاضرة له بأنها "حرب بالإكراه لإجبار العدو على الاستسلام والخضوع دون الحاجة لاستخدام قوات نظامية"، وانتهى من شرح فكرته بأنها "حرب تستهدف إفشال الدولة المستهدفة ببطء وثبات، حتى تتمكن فى النهاية من إحكام السيطرة عليها وفرض إرادتك عليها، وهو الهدف الحقيقى للحرب النظامية، وأهم سلاحين فى هذا الجيل من الحروب، هما العقل والمال، لا قوة النيران".

وعندما قال أوباما فى أحد خطاباته: "نحن نشهد نهاية عقد من الحروب"، فسرها البعض بأنه رجل سلام، لا يريد التورّط فى حروب جديدة، لكن التجربة أثبتت أنه كان يقصد أن إخضاع الشعوب سيتم فيما بعد، دون جيوش وحروب تقليدية، عبر التدمير الذاتى لها، وهو نفسه مَن أعلن عقب سقوط نظام مبارك فى 4 مارس 2011 أن "الانتفاضات التى تشهدها المنطقة العربية تخدم سياسات الولايات المتحدة الأمريكية"، وقال أيضًا: "القوى التى أطاحت بمبارك يجب أن تتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل".

أوباما

كيف تؤتى هذه الحروب ثمارها؟

ويعتمد نجاح حروب الجيل الرابع على عدة عوامل رئيسية، لدى الدول المستهدفة، أهمّها: انتشار الفساد والركود الاقتصادى وسوء الأحوال المعيشية وانخفاض مستويات التعليم وتفشى الجهل والتضييق السياسى وسوء التعامل الأمنى وعدم نزاهة الانتخابات، ما يسبب احتقانًا داخل المجتمع، يفضى إلى ظهور رغبة حقيقية فى التغيير، وهذا المناخ يمثل بيئة صالحة جدًّا لنمو بعض المنظمات والحركات والجماعات الدينية والنشطاء الحقوقيين والسياسيين، خصوصا الذين لا يمانعون فى استخدام التمويل الأجنبى، ويتمكنون عبر وسائل الإعلام والاتصال التقليدية وغير التقليدية من هز ثقة المجتمع فى نفسه وفى قياداته السياسية والدينية، فتسود الفوضى، وينتهى الأمر بتفكيك مؤسسات الدولة، خصوصا القضاء والشرطة، أما القوات المسلحة، فيكون الهدف اختزال دورها فى مكافحة الإرهاب، ومحاولة شغلها عن مهمتها الأساسية فى حماية حدود الدولة وتأمينها. ما يضعف قدرات الدولة على المدى البعيد.

الإعلانات.. ذراع حروب الجيل الرابع الخفية

كل هذا يدور حولنا، حيث يتحكم عدونا فى عقولنا بأسهل الطرق وأيسرها، دون أن يدخل معنا صراعات سياسية، وما علينا الآن سوى تأمل ما يلي، للتأكد من وجهة النظر تلك:

- إعلان كان يُعرض منذ عامين لمشروب غازى شهير، تقدمه فنانة معروفة، تلعب دور مُدرّسة، وفى الخلفية طفل عمره لا يتجاوز الثانية عشرة، نائم على الطاولة، لا يستطيع التركيز فى الدرس، فتسأله المدرسة عما به، فيرد التلميذ أن المشروب الغازى نفد أمس، فلم يستطع إنهاء الواجب أو التركيز، تصوّروا!

هل تدركون عمق الجريمة التى ترتكب فى حق أطفالنا؟

إنهم يرسّخون أن المذاكرة والتركيز مرتبطان بهذا المشروب، فى حين أن كل الأبحاث العلمية تقول إن هذه المشروبات تسبب الإدمان، وهشاشة العظام!

هل تدركون الفئة العمرية المستهدفة؟

إنهم أطفال فى طور التكوين، رجال ونساء المستقبل، فبالله عليكم أى مستقبل ينتظر شبابا مصابا بهشاشة عظام، وأسنان متآكلة، ومدمنى مشروبات مدمّرة للصحة؟

وهل يستطيع هذا الشاب المُدمَّر صحيا حمل سلاح للدفاع عن وطنه؟

وانظر أيضا إلى ذلك الإعلان الآخر، الذى نرى فيه الأب، رمز العطاء والقوة والتضحية، يُخفى وراء ظهره منتجا غذائيا ليأكله وحده، بعيدا عن أطفاله، فما كان من ابنه إلا أن ربطه بالحبال فى الكرسى، ليفوز بالمنتج، ويأكله هو! أى قيم مدمرة تُبثّ فى مجتمعاتنا؟

وهذا الآخر الذى يعزف على آلة موسيقية مع صديقه، فيطلب الأب منهما أن يخفضا صوتهما قليلا، فما كان من صديق الابن إلا أن التهم الأب! كلها إعلانات مدمّرة للأخلاق والقيم الأسرية، محفزة للعنف والأنانية!

فنرى من يخطفون أكياس البطاطس ويفرّون ليستأثروا بها لأنفسهم، ونرى طفلة صغيرة تمارس العنف ضد شخص بالغ، للفوز بمنتج آخر وهكذا!

فى أوروبا والدول المتقدمة، يجرّم القانون استخدام الأطفال فى إعلانات المشروبات الغازية والوجبات السريعة، لما لها من أضرار على الصحة، أما فى مجتمعاتنا، فأطفالنا مستباحون، ويُستخدمون بلا إنسانية لتدمير طفولتهم وصحتهم!

المآسى الإعلانية كثيرة، وهى تدمّر الصحة والأخلاق والمجتمع، ويوميًا تقريبًا نسمع موسيقى فجّة، وتعبيرات سوقية، ونتعرض لأفكار هدّامة، إضافة لتشويه صورة المرأة المصرية، وإظهارها فى أحطّ وضع! لأنه –للأسف- لا توجد معايير أو ميثاق شرف، يحمى المجتمع من براثن هذا السرطان المتفشى المختبئ خلف الإعلان.

ومع تطوّر وسائل الإعلان، والتقدم التكنولوجى، أصبح تأثيرها واضحا وملموسا فى سلوك المجتمع، حتى إن لم ندرك ذلك بشكل مباشر، وتحوّلنا تدريجيا إلى مجتمع مادى، استهلاكى، لا ينتج، يلهث وراء كل سلعة جديدة لاقتنائها.

والحروب الحديثة، لم تعد تعتمد على السلاح فقط، بل على تدمير المجتمعات وتفكيكها أخلاقيا ودينيا، وتدميرها صحيا، ووسيلتها حصار الإعلانات، وبرامج التوك شو، والمسلسلات، والأفلام، حتى أصبح البلطجى البطل والقدوة والمثل الأعلى، أمثال "عبده موتة" و"الألمانى" و"البلطجى".

كارثة كونية اسمها الإنترنت

ثم ظهرت الكارثة الكونية التى تحكمت فى العقول، ومثّلت وسيلة سهلة لتحريك الرأى العام: الإعلام الجديد والديمقراطية الرقمية (الإنترنت).

وفى كتاب (حروب الجيل الرابع.. الإعلام ودوره فى تفتيت المجتمعات) الصادر فى 2015، يقول الكاتب أسامة هيكل، وزير الإعلام الأسبق، عن الإنترنت:

أسامة هيكل

"أحدث هذا الاختراع انعكاسات كبيرة على قواعد حرية النشر والتعبير، وتدعيم الفكر الديمقراطى وحقوق الإنسان، وغيرها من مفاهيم سياسية واجتماعية وتجارية، انتشرت وتكوّنت حولها الجماعات، مستفيدة من سهولة استخدامها والمشاركة فيها، دون خبرات تقنية أو تكاليف مادية، يرى البعض أنها سوف تؤدى إلى بزوغ "فكر كوكبى"، يعمل على تغيير العالم.

وتشير الدراسات إلى أن عدد مستخدمى الإنترنت فى العالم تجاوز هذا العام مليارى مستخدم، أى نحو ثلث سكان العالم، وبمعنى آخر، فإن شخصًا واحدًا من كل ثلاثة أشخاص فى العالم، يستخدم الإنترنت، ما يزيد بنسبة 480.4% عما كان عليه الأمر فى عام 2000، ووَفْقًا للدراسات، فإن أكبر نسبة نمو خلال هذه الفترة، كانت من نصيب إفريقيا، التى نما استخدام الإنترنت بها بنحو 2527.4% تليها منطقة الشرق الأوسط، بنسبة 1987%. ويوجد فى الصين أكبر عدد من مستخدمى الإنترنت، بنحو 389 مليون مستخدم، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بـ245 مليون مستخدم.

وتأتى مصر فى المرتبة العشرين عالميًّا، والأولى عربيًّا، بعدد مستخدمين يبلغ 20.163.000، يليها المغرب بعدد مستخدمين 13.213.000، فالمملكة العربية السعودية بنحو 9.774.000 مستخدم.

ونشر موقع (Internet World Stats) إحصاءً يتعلق باللغات العشرة الأولى الأكثر استخدامًا على شبكة الإنترنت لعام 2010م، وكانت المرتبة الأولى من نصيب اللغة الإنجليزية، بعدد مستخدمين فاق 536 مليونا، يمثل 27.3% من إجمالى مستخدمى الإنترنت، تلتها فى المرتبة الثانية اللغة الصينية، التى تجاوز عدد مستخدميها 444 مليونا، أى 22.6% من مجموع المستخدمين.

أما المرتبة الثالثة فكانت للغة الإسبانية، حيث وصل عدد مستخدميها إلى نحو 153 مليونا، بنسبة 7.8% من إجمالى المستخدمين، فى حين حلّت اللغة الفرنسية من المركز الخامس إلى المركز الثامن.

فيما كانت اللغة العربية عام 2004م فى المرتبة الثالثة عشرة، لكنها فى عام 2010م سجّلت تقدمًا كبيرًا باحتلالها المركز السابع، بتعداد فاق 65 مليون مستخدم، يمثل 3.3% من مجموع مستخدمى الإنترنت فى العالم، وبنسبة نمو متسارعة هى الأعلى، إذ قدّرت بأكثر من 2500% خلال الفترة بين عامى 2000 و2010م، ما يفسر انفتاح المستخدم العربى على الإنترنت، وجهوده لإثراء محتواه.

ويوجد على الإنترنت مليارات المواقع، بعضها لديه عدد محدود من المستخدمين، بينما البعض الآخر يملك أعدادا كبيرة، وفى عام 2011م أصدر جوجل قائمة بأكبر 100 فى عدد المستخدمين عالميا، حلّ فيسبوك فى المرتبة الأولى منها، بنحو 880.000.000 مستخدم، تلاه موقع يوتيوب، بنحو 870.000.000 زائر، ثم ياهو فى المرتبة الثالثة، بنحو 660.000.000 زائر.

فيسبوك.. أرقام وإحصاءات

وفيسبوك Facebook إحدى شبكات التواصل الاجتماعى، التى رغم أن عمرها لا يزيد على عشر سنوات، فإن موقعها أصبح الأشهر، والأكثر استخدامًا على مستوى العالم.

أنشئ الموقع فى فبراير 2004م بواسطة ابن التسعة عشر عاما، مارك زوكربرج، فى غرفته بجامعة هارفارد، وكان فى البداية متاحًا فقط لطلاب جامعة هارفارد، قبل أن يتاح لطلبة الجامعات، ثم طلبة الثانوية، وعدد محدود من الشركات، وأخيرًا توافر لأى شخص يرغب فى فتح حساب به.

مارك زوكربرج

والآن يملك الموقع نحو 880 مليون مستخدم، بمعنى آخر، فإن شخصًا واحدًا من بين كل 13 شخصا على الأرض لديه حساب عليه، بنحو 75 لغة. ويقضى هؤلاء المستخدمون جميعًا أكثر من 700 بليون دقيقة على الموقع شهريًّا.

ومن الإحصاءات الأخرى لموقع فيسبوك، التى نشرتها مدونة digitalbuzzblog فى يناير 2011م:

- متوسط عدد الأصدقاء لكل مستخدم 130 صديقا.

- 48% من مستخدمى الموقع، ممن تتراوح أعمارهم بين 18-34 سنة، يطّلعون عليه بعد استيقاظهم من النوم، منهم 28% يفعلون ذلك حتى قيامهم من السرير.

- نسبة المستخدمين الذين تزيد أعمارهم على 35 سنة، ترتفع باطّراد، وهى تمثل حاليًّا أكثر من 30% من إجمالى المستخدمين.

- المستخدمون الذين تتراوح أعمارهم بين 18-24 سنة، هم الأسرع نموًا بنسبة 74% سنويًّا.

- l 72% من مستخدمى الإنترنت فى أمريكا، موجودون على فيسبوك، ويمثل مستخدمو الموقع من خارج الولايات المتحدة 70% من إجمالى المستخدمين.

- 20 مليون تطبيق يتم تركيبها يوميًّا.

- أكثر من 200 مليون شخص يدخلون الموقع بواسطة هواتفهم الجوالة.

- 48% من الشباب ذكروا أن فيسبوك مصدرهم لاستقاء الأخبار.

- كل 20 دقيقة على فيسبوك، تتم مشاركة مليون رابط، وقبول صداقة مليونى شخص.

ويرى مخترع فيسبوك، مارك زوكريبرج، أن موقعه حركة اجتماعية وليس مجرد أداة أو وسيلة للتواصل، وأنه سوف يزيح البريد الإلكترونى ويحلّ محلّه، ويسيطر على النشاط البشرى على الشبكة العنكبوتية، وبالتالى فإنه يوصف بكونه "دليل سكان العالم"، وأنه موقع يتيح للأفراد العاديين أن يصنعوا من أنفسهم كيانًا عامًّا من خلال الإدلاء والمشاركة بما يريدون من معلومات حول أنفسهم واهتماماتهم ومشاعرهم وصورهم الشخصية ولقطات الفيديو الخاصة بهم، وهدفه جعل العالم مكانًا أكثر انفتاحًا.

ورغم أن فيسبوك أكثر الشبكات الاجتماعية شهرة، فإن هناك شبكات أخرى مثل تويتر ولينكد إن وماى سبيس وبينج. أما القادم الجديد بقوة إلى هذا العالم، فهو جوجل بلس، الذى استطاع خلال أقل من شهرين على تدشينه، الوصول إلى أكثر من 30 مليون مشترك، رغم فتحه فى البداية جزئيًّا بالدعوات للمشتركين، وليس للجميع.

جوجل بلس

حرب فيس بوك وجوجل بلس

ويرى بعض المختصين أن الحرب القائمة حاليًّا بين "جوجل بلس" و"فيسبوك"، أمر صحى للغاية، وأنها أهم حدث تشهده ساحة التسويق الرقمى هذه الأيام، خصوصا بعد أن وضع موقع Alexa فى تصنيفه الأخير، فيسبوك فى المرتبة الثانية بعد جوجل بلس، نتيجة للخدمات الإضافية التى يوفّرها، مثل خدمة البريد الإلكترونى Gmail وخرائط جوجل ومحرك البحث وغيرها.

ومع أن فيس بوك وتويتر أكثر مواقع الشبكات الاجتماعية استخدامًا فى المنطقة العربية، فإن البوادر الأولية لاستخدام جوجل بلس، تشير إلى أنه فى طريقه لمزاحمة هذين الموقعين، والحصول على جزء من كعكة سوق الشبكات الاجتماعية فى المنطقة، بشكل سريع.

ما لا تعرفه عن تويتر

تويتر twitter شبكة اجتماعية مصغّرة، تسمح لمستخدميها بإرسال وقراءة تعليقات لا تتجاوز 140 حرفا (ورمزا)، تُعرف باسم تغريدات (tweets)، أنشأه فى مارس 2006م الأمريكى جاك دورسى، وأطلق فى شهر يوليو من العام نفسه.

ووفقا لموقع ويكيبيديا، بلغ عدد مستخدميه فى مارس 2006م نحو 200 مليون مستخدم، ووصلت تغريداته اليومية إلى 200 مليون، وفى عام 2007م كان عدد التغريدات لكل ربع سنة، 400 ألف تغريدة منشورة، نمت إلى 100 مليون تغريدة لكل ربع من عام 2008م، وفى شهر فبراير عام 2010م، بلغ عدد التغريدات 50 مليون يوميًّ،ا ارتفعت إلى 65 مليونا فى شهر يونيو من العام نفسه، بما يساوى 750 تغريدة كل ثانية.

ومع هذا النمو، تحوّل تويتر إلى وسيلة تدوين مصغرة فائقة القوة متعددة الاستخدامات، من التسويق إلى الإعجاب بالمشاهير ونشر الأخبار وتوزيعها، وصولا للمساعدة فى عمليات الإنقاذ والإغاثة، كما حدث خلال كارثة زلزال تسونامى فى اليابان.

جاك دورسى

إقبال المستخدمين على تويتر يتزايد بشكل ملحوظ، خلال الأحداث المهمة، وهو ما يظهر جليا من خلال الإحصاءات التالية:

- 2940 تغريدة/ثانية بعد تسجيل اليابان هدفًا فى مباراة كرة قدم ضد الكاميرون، ضمن مباريات كأس العالم 2010م.

- تغريدة/ثانية بعد فوز فريق لوس أنجلوس ليكرز بكأس السلة فى 17 يونيو 2010م.

- 3282 تغريدة/ثانية بعد فوز اليابان على الدنمرك، ضمن بطولة كأس العالم لكرة القدم فى 25 يونيو 2010م.

- الرقم القياسى الحالى سجّل خلال نهائى بطولة العالم للسيدات لكرة القدم 2011م بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان فى 18 يوليو 2011م، بواقع 7169 تغريدة/ثانية.

- فى عام 2010م وحده، زاد متوسط عدد التغريدات اليومية إلى ثلاثة أضعاف، من 50 مليون تغريدة إلى 140 مليونا.

- فى 11 مارس 2011م، اليوم الذى ضرب فيه الزلزال والتسونامى اليابان، زاد عدد تغريدات المستخدمين بواقع 37 مليون تغريدة عن المعدل اليومى، حيث أرسلت 177 مليون تغريدة فى يوم واحد.

- النمو لم يقتصر فقط على التغريدات، لكن أيضا عدد المشتركين فى المواقع، حيث تزايدت أيضا، ففى 12 مارس 2011م وحده، وهو اليوم التالى لزلزال اليابان، أضاف الموقع 572 ألف مشترك جديد، وفى شهر يوليو من عام 2011م بلغ متوسط الاشتراكات الجديدة اليومية فى الموقع 460 ألفا.

وفى هذا الشهر أيضا، أعلن تويتر أن عدد المغرّدين بواسطة هواتفهم الجوالة زاد بمعدل 182% على العدد الذى كان عليه فى العام السابق.

جدير بالذكر أنه من 200 مليون مستخدم لتويتر، فإن 30-40 مليون فقط يعتبرون مستخدمين نشطاء، بمعنى آخر فإن معظم المعلومات المتداولة على تويتر يتم نشرها بواسطة أقلية من المستخدمين، فى حين أن الأغلبية الباقية مجرد مستهلكين لتلك المعلومات فقط.

وفيسبوك وتويتر ليست مجرد أدوات تتيح للمستخدمين نشر تعليقاتهم الشخصية ومشاركة الآخرين فيها، فقد أصبحت بالنسبة لكثير من المستخدمين، منصاتٍ لنشر الأخبار، فعلى سبيل المثال، كان تويتر من أوائل الوسائل التى نشرت تقارير عن الهجمات الإرهابية على مومباى الهندية فى نوفمبر 2008م.

إدمان مواقع التواصل

التأثيرات السياسية لشبكات التواصل الاجتماعى

عند الحديث عن التأثيرات السياسية لشبكات التواصل الاجتماعية، يتبادر إلى الذهن الدور الذى لعبته تلك الشبكات فى الثورات العربية، والتى دار حولها -ولا يزال- جدل كبير من قبل المتخصصين.

فمنذ مطلع عام 2011م نُشر الكثير من المقالات والدراسات، وعُقد العديد من المؤتمرات والفعاليات التى ناقشت أهمية هذه الشبكات، وقدرتها على التأثير فى تحفيز المشاركة الشعبية، وتأثيرها على نماذج الحكومة التشاركية والآليات المجتمعية الجديدة.

وشهدت هذه الفترة تحولات واضحة فى اتجاهات الاستخدام، من الأغراض الاجتماعية والتجارية إلى الأغراض السياسية على مستوى المنطقة.

المدونات

جدير بالذكر أيضًا أن استخدام أدوات الإعلام الجديد، لتحقيق أغراض سياسية، سبق الثورات بعدة سنوات.

ففى عام 2002م مثلًا، كتب العديد من المدونين، بشكل متواصل، عن تصريحات مثيرة للجدل، أدلى بها السيناتور الأمريكى ترينت لوت، خلال حفل أقيم لتكريم السيناتور ستروم ثورموند فى عيد ميلاده المئة، أشاد به، وقال إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت ستكون أفضل حالًا مما هى عليه الآن، فيما لو كان ثورموند قد فاز بالرئاسة الأمريكية التى كان مرشحًا لها عام 1984م.

ورغم أن جميع وسائل الإعلام، من صحافة وإذاعة وتليفزيون، كانت موجودة خلال الحفل، فإن هذا التصريح لم يثر أى انتباه، حتى بدأت المدونات الكتابة عنه، متهمة السيناتور لوت بأنه بتصريحه هذا عبّر ضمنيًّا عن تأييده وموافقته لسياسة الفصل العنصرى التى كان تورموند يدعمها ويدعو لها فى ذلك الوقت. وقد تسببت إثارة المدونين لهذه القضية فى تزايد الضغوط على لوت، حتى اضطر للاستقالة من منصبه.

ترينت لو

أين البيت؟

ووسط كل هذه الفوضى الأخلاقية، البيت غائب عن الوعى، مشارك فى الجريمة دون أن يُدرك، بعد أن أصبح الضمير والعقل حبيسين للإبهار والاندهاش واللهاث وراء تلبية الرغبات الشرائية المجنونة، حتى لو لم نكن فى حاجة إلى هذه المنتجات، حتى أصبحنا كالمستجير من الرمضاء بالنار، ما بين التطرف الدينى والانهيار الأخلاقى.

سفينة النجاة

فإذا أردنا أن يعود مجتمعنا وسطيا، متحضرا، متسامحا، لا بدّ أن نقف وقفة جادة، ونحارب هذا الإسفاف والانحطاط الأخلاقى، محاربة لا هوادة فيها، فالمجتمعات تتقدم بأخلاقها، ثم بعلمها.

وفى الماضى قالوا لنا "الأدب فضّلوه عن العلم"، وقال شاعرنا العظيم أحمد شوقى "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا". وما وصلنا إليه الآن من فوضى وانعدام ضمير، يعود فى المقام الأول لتدنّى الأخلاق والتدين الظاهرى، مع أن جوهر الدين المعاملة.

وإنما أردت بهذا البحث، أن أضعك على أول الطريق، لأن الحرب مستمرة، ولم تنته بعد، وأنت –عزيزى المواطن المصرى- السلاح المستخدم فيها، فحاول أن تكون سلاحا إيجابيا لبلدك، مُدركا للمسؤولية، داعما لوطنك.

وأختتم بحثى هذا بقوله تعالى فى سورة الرعد "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". صدق الله العظيم.

واعلموا أننا لن نستطيع درء الأخطار التى تحيط بنا من كل جانب، والدفاع عن وطننا ضد شرّ المتربصين والأعداء، إن كنا بلا أخلاق أو دين صحيح أو بدن سليم.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز




آخر الأخبار