البث المباشر الراديو 9090
عبد الناصر
كان خطابًا تاريخيًا فى تاريخ مصر والعرب، لأول مرة يُبادر رئيس دولة بإعلان تحمله المسئولية كاملة، ويتنحى عن القيادة تاركًا للأمه حق تقرير مصيرها.

 

السبت 10 يونيو 1967 كان محطة هامة فى تاريخ البرلمان المصرى، كان يومًا مشهودًا لمجلس الأمة، برئاسة محمد أنور السادات.. يوم أثبت المجلس تمسكه بالرئيس جمال عبد الناصر.. وهتف النواب ووقف بعضهم على مقعده تحت القبة، بل امتد الأمر لدخول أفراد الشعب فى تظاهرة حب داخل حرم المجلس، الكل ينادى: "لا رئيس إلا ناصر".

فى الساعة الثانية عشر من ظهر السبت 10 يونية 1967، اجتمع المجلس طبقًا لما ذكرته المضبطة برئاسة السيد محمد أنور السادات لقراءة رسالة الرئيس جمال عبد الناصر إلى الأمة التى يتراجع فيها عن تنحيه، والتى قال فيها: "إن صوت جماهير شعبنا بالنسبة لها أمر لا يرد ولذلك فقد استقر رأية على أن يبقى فى مكانة وفى الموقع الذى يريد الشعب منه أن يبقى فيه وبنص ما جاء فى مضبطة المجلس بذلك اليوم كما صوت المجلس فى هذه الجلسة على مشروع قرار بأنه يضع المجلس فى يد الرئيس كل السلطات التى تخول له التعبئة الكاملة والشاملة لكل قوى الشعب العاملة وإعادة البناء العسكرى والسياسى بما يكفل مناعته وقوته على مواجهة كل التحديات ووافق المجلس بالإجماع".

لم يشكل مجلس الأمه فى ذلك اليوم لجنة برلمانية للوقوف على أسباب الهزيمة ولم يناقش ما حدث ولم يتحدث أحد من الوزراء الذين حضروا الجلسة أو النواب عما جرى صبيحة يوم الخامس من يونيو عام 1967، فقط كانت الجلسة عبارة عن تصفيق حاد متصل دام وقتا طويلا بحد وصف المضبطة ورقص فوق الطاولات لم ترصده المضبطة وسجلته عدسات المصورين ونقلته الصفحات الأولى للصحف الثلاث الأهرام والأخبار والجمهورية فى اليوم التالى.

جلسة التنحى الشهيرة كانت الجلسة الثلاثة والثلاثين من الفصل التشريعى الأول لدور الانعقاد العادى الرابع وعقدت فى الثانية عشر والدقيقه الخامسة عشر ظهر يوم السبت الموافق 10 يونية 1967 وحسب وصف المضبطة التى حصل "مبتدا" على نسخة منها، فقد تم الاجتماع وجماهير الشعب تملأ أفنية المجلس وتحيط به من كل جانب وتسد كتلها المتراصة الطريق إليه وتصل أصواتها المدوية الى داخل قلاعة اجتماعات المجلس تعبر عن الإرادة الشعبية فى بقاء الرئيس جمال عبد الناصر قائدًا ورئيسًا للجمهورية وتولى معاونة رئيس المجلس أنور السادات فى إجراءات هذه الجلسة محمد صبرى القاضى ومفيدة عبد الرحمن.

وأشارت المضبطة إلى أن هذه الجلسة حضرها كافة أعضاء المجلس إضافة لرئيس الوزراء المهندس محمد صدقى سليمان و27 وزيرًا، وافتتح رئيس المجلس الجلسة قائلًا: "خرج الشعب العربى كله من أقصى المحيط الى أقصى الخليج يعبرعن تمسكه المطلق بقيادة قائدنا البطل جمال عبد الناصر".

وعلى حد وصف المضبطة، بعد هذه العبارات، وقف أعضاء المجلس والحاضرون بالشرفات التى اكتظت بهم ودوت القاعة بالتصفيق الحاد المتصل الذى دام وقتًا طويلًا، واستكمل رئيس المجلس كلمته قائلًا: "التمسك بالرئيس فى الدلتا والصعيد وفى المدن والقرى والحقول والمتاجر والمصانع والجامعات والمدارس والقوات المسلحة زحفت جموع شعب جمهورية مصر العربية المتحدة على شوارع القاهرة مطلقة صيحاتها المقدسة.. "لا نرضى غير عبد الناصر رئيسًا للجمهورية وزعيمًا وقائدًا ومعلمًا.. وعلى كل الطرقات يقف الأن الشعب فى كتل متلاحمة وحماس دافق يسد شوارع القاهرة ويحول دون وصولنا إلى الرئيس أو وصوله إلينا فإن هذه الجموع الهادرة تصل بيننا وبين القائد والزعيم كأشد ما تكون الصلة".

أضاف: "ويسعدنى أن أنهى إليكم وإلى الشعب بأجمعه وإلى شعوب الأمة العربية والشعوب الصديقة أن أن الرئيس جمال عبد الناصر قرر الإستجابة للإرادة الشعبية والبقاء فى مركز القيادة كرئيس للجمهورية"، وهنا دوت القاعة بالتصفيق الحاد المتصل وعلت الهتافات من جنباتها مُرددة: "ناصر.. ناصر.. الله أكبر.. وعاش جمال عبد الناصر.. الله أكبر.. عاش جمال".

رسالة الزعيم

بعد الانتهاء من كلمته قال السادات: "لى الشرف الأن أن أتلو عليكم رسالة الرئيس ووقف رئيس المجلس والأعضاء والحاضرون بكافة الشرفات وبدأ رئيس المجلس فى قراءة رسالة الرئيس جمال عبد الناصر، وكان نصها "لقد كنت أتمنى لو ساعدتنى الأمة على تنفيذ القرار الذى اتخذته بأن أتنحى ويعلم الله أننى لم أصدر فى اتخاذى هذا القرار عن أى سبب غير تقدير المسئولية متجاوبا مع ضميرى ومع ما اتصور أنه واجبى وإنما لأعطى لهذا الوطن راضيًا وفخورًا كل ما لدى فى الحياة إلى آخر نفس فيها".

بعد هذه العبارات، قام النواب بتصفيق الحاد المتواصل، ودام وقتًا طويلًا، وهتافات أخرى كانت تدوى فى القاعة: "نحن جُنودك يا جمال"، وذلك حسبما وصفته المضبطة.

واستكمل رئيس المجلس الكلمة: "إن أحدًا لا يستطيع ولا يقدر أن يتصور مشاعرى فى هذه الظروف إزاء الموقف المذهل الذى اتخذته جماهير شعبنا وشعوب الأمة العربية العظيمة كلها فى إصرارها على قرار رفض التنحى منذ أعلنته حتى الآن إن الكلمات تضيع فى وسط زحام بين المشاعر يملك جوارحى وأقول لكم أمانة وأرجوكم تبليغ مجلس الأمة الموقر إننى مقتنع بالأسباب التى بنيت عليها قرارى وفى نفس الوقت فإن صوت جماهير شعبنا أمر لا يُرد".

تابع: "لذلك فقد استقر رأيى على أن أبقى فى مكانى وفى الموقع الذى يريد الشعب منى أن أبقى فيه حتى تنتهى العثرة التى نتمكن فيها جميعا من أن نزيل آثار العدوان على أن الأمر كله بعد هذه الفترة يرجع إلى الشعب فى استفتاء عام.

أضإف: "إنى لأشعر أن النكسة لا بد وأن تضيف إلى تجربتنا جديدًا، ولا بد أن تدفعنا إلى نظرة شاملة فاحصة وأمل على كثير من جوانب عملنا وأول ما ينبغى أن نأكده بفهم واعتزاز وهو واضح أمام عيوننا إن الشعب وحده هو القائد وهو الخالد إلى الأبد والآن أيها الأخوة المواطنون فى كل مكان أيديكم معنا ولنبدأ مهمتنا العاجلة وليمنحنا الله جميعا تأييده وهداة".

وفى كلمة المهندس محمد صدقى سليمان، رئيس الوزراء، قال: "باسم الحكومة أتقدم بالشكر للسيد رئيس الجمهورية على إستجابته لرغبة الشعب وإننا لنعتز ونفخر بمكانته المزهلة فى نفوس جميع الشعب المصرى الذى زحف من كل مكان فى أنحاء الجمهورية بعد أن أزهلته المفاجأه بعد أن طالب السيد الرئيس بالإستمرار فى قيادته وزعامته للأمه ليقود نضالها فى طريق العزة والكرامة والشرف".

أما النائب سيد مرعى فطلب الكلمة، وقال: "أرجو الله أن يلهمنى قدرة فوق قدرتى وفق قدراتنا جميعا أن أكبح جماح عواطفى التى تملؤنى بل تملؤنا جميعا وتدفعنا فى هذه الساعات المره أن نعبر عنها تعبيرا يمثل حب الشعب كله لجمال عبد الناصر القائد البطل وسيظل بطلا . وهنا قام جميع النواب مصفقين وهم يهتفون مدى الحياه".

تابع: "فى الساعات الحلوة وفى الساعات المرة وفى الانتصار والنكسة أنت يا جمال العلم الذى ننضوى جميعًا تحت لواءه لا أُريد يا جمال أن أسترسل فى عواطفى وهذا أمر فوق قدرتى ولكنى أريد أن أتماشى معك فى تفكيرك وتحليلك للأمور لأبين لك بالدليل القاطع أن الذى اتخذته بالأمس يمثل موقفًا هو أكثر صور التضحية والفداء فقد حملت نفسك بشجاعة منقطعة النظير مسئولية ليست كلها مسئوليتك.. مسئولية شعب بأثره أراد الحياة وأراد الكرامة والعزة وكنت أنت رمز الإرادة فى كل ما أراد".

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز




آخر الأخبار