
أشرف مروان
على مدار سنوات عديدة، حاولت تل أبيب تقديم رواية مغايرة لطبيعة الدور الذى لعبه أشرف مروان، للتشكيك فى ولائه لوطنه، ولإخفاء صورة الموساد الضعيفة التي سقطت ضحية في اختبار "ساعة الصفر"، ولدحض الهزيمة العسكرية التي لحقت بدولتهم على يد قوات الجيش المصرى.
الروايات الإسرائيلية
بعد حرب أكتوبر، تعالت الأصوات التي تطالب بالمحاسبة داخل إسرائيل للتحقيق في الهزيمة وفشل الموساد، وشكلت إسرائيل بعد الحرب لجنة تحقيق للنظر في التقصير الاستخباراتي والعسكري في حرب أكتوبر، إلا أن التحقيقات انتهت ولكن لم تنشر وقتها، حتى أصدر مؤرخًا يهوديًا يدعى أهارون بيرجمان، فى نوفمبر من العام 2002، كتابًا يحمل عنوان "تاريخ إسرائيل"، قال فيه ما يكفى لدحض الروايات الإسرائيلية.

وقال بيرجمان "بصورة متدرجة تمادى أشرف مروان، فى إمداد إسرائيل بمعلومات خاطئة فقد قام بتحذير إسرائيل من حرب وشيكة فى عام 1972 وهى حرب لم تقع، وكرر التحذير ذاته فى ربيع عام 1973 وتسبب فى مصاعب لا حصر لها عندما أخبر الموساد أن السادات سيضرب فى 15 مايو، فقد استجابت إسرائيل لتحذيره وشكلت لجنة قوات قتالية لرسم خطة للمواجهة، وكانت تهدف إلى الإسراع بنشر معدات عسكرية وبلورة استعدادات الحرب، ولم تقع أى هجمات مصرية بالفعل، وفى 13 أغسطس 1973 عادت القوات الإسرائيلية إلى حالة الاسترخاء الطبيعية".
صفعة على وجه إسرائيل
وأوضح المؤرخ اليهودى: "كان ذلك قبل 7 أسابيع فقط من حرب السادس من أكتوبر. تلك الحشود الاحتياطية كلفت إسرائيل 45 مليون دولار، ونتج عنها شكاوى لا حصر لها حول ضياع أموال دافعى الضرائب دون طائل. كان من الواضح أن أشرف مروان، لعب دورًا مهمًا وخطيرًا فى خطة التمويه المصرية"، مضيفا أن أشفر مروان الذى اعتبره الموساد أعظم جواسيسه فى العالم العربى كان يخفى معلومات مهمة، وفى الوقت ذاته كان يزود إسرائيل بمعلومات خاطئة حول النوايا المصرية كما حدث فى عام 1972 وفى أبريل ومايو عام 1973 عندما تسبب الإنذار الكاذب فى تحميل إسرائيل كلفة مادية".

وتابع بأن تحذيرات مروان الكاذبة لإسرائيل استمرت حتى يوم الحرب نفسها، حيث استطاع أيضًا تضليلهم عن موعد الحرب، وأخبرهم بأنها ستكون فى الساعة الخامسة، وهو ما لم يحدث، حيث وقع الهجوم المجيد فى الثانية ظهرًا، مؤكدا أن "أشرف مروان كان عميلًا مصريًا بارعًا".
كذلك، مع بداية عام 2003 بدأ إيلي زعيرا، رئيس شعبة المخابرات العسكرية سابقًا، في التحدث عن الهزيمة التي لحقت بإسرائيل، ووقتها خرج عن صمته وصرح بأن عميل الموساد "خدع" تل أبيب.
خطة الخداع الاستراتيجي لحرب أكتوبر
وتابع: "ومن هنا بدأت الحرب بين المخابرات العسكرية الإسرائيلية والموساد الإسرائيلي، فكل منهما أصبح يتهم الآخر بأنه من أسباب الهزيمة، وبدأ وقتها الحديث على عميل لم يُذكر اسمه، حتى جاء باحث أمريكي وسأل عن اسم هذا العميل الذي خدع الموساد، وتم ظهور اسم أشرف مروان هنا للمرة الأولى".

كما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرا عن فيلم سينمائى يرصد حياة رئيسة الوزراء الإسرائيلية الراحلة جولدا مائير خلال حرب السادس من أكتوبر، وذلك فى محاولة لتبرئتها من الهزيمة الساحقة التى ألحقها الجيش المصرى بالإسرائيليين، معترفة بالخدعة التى تعرضت لها إسرائيل على يد المسؤول المصرى آنذاك أشرف مروان، إذ يقول الفيلم بأن "جهود الجاسوس الكبير الذى كانت إسرائيل وظفته فى إشارة للعميل المزدوج أشرف مروان – والذى حذر من اندلاع الحرب قال لهم إن الحرب ستندلع فى السادسة مساء، وليس الساعة الثانية بعد الظهر كما اندلعت بالفعل".
وبعد ذلك اعترف أيضا موقع "مكور راشون" الإسرائيلى، بأن "مروان كان فى الواقع عميلاً مزدوجًا يهدف إلى تضليل إسرائيل، وفى وقت لاحق، بعد سنوات من الحرب كشف حتى عن اسم هذا الجاسوس، وهو أشرف مروان.
وأكدت الفيديوهات التي تحمل اعترافات من العقيد المتقاعد شمعون منديس، والذي كان يعمل في سلاح الاستخبارات الإسرائيلية، ومؤلف كتاب "جهاد السادات"، أن أشرف مروان، كان دوره تخدير الإسرائيليين.
فشل الموساد
وقال "منديس"، إن أشرف مروان أمد القيادات الإسرائيلية بالمعلومات لتخديرها، بالاتفاق مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات. وأشار إلى أن الرئيس الراحل السادات، "لم يبن جهاز استخبارات ليكون "ديكور"، فقد عمل على محوريين رئيسيين فى ذلك، الأول استراتيجى والثانى تكتيكى" بحسب وصفه.

ومع حلول الذكرى الـ 50 لانتصارات أكتوبر التى غيرت مجرى التاريخ، تصدر وثائق وشهادات لجنرالات تل أبيب تعد "رصاصات صديقة" موجهة للموساد، فتتهمه بأنه المسؤول الأول عن فشل إسرائيل فى الحرب، وعجزه عن الحصول على معلومات أو تقييم ما حصل عليه بشكل صحيح، وهذا ينم عن حرب داخلية تدور فى إسرائيل حول صدمة عمرها 50 عامًا يريدون قلب حقائقها، لكنهم عاجزون عن ذلك أيضًا.
وحملت الوثائق أيضا شهادات من الأرشيف الإسرائيلي وبعض وثائق ملفات لجنة "اجرانات" التي تولت التحقيق في حرب أكتوبر 1973، ومن بين تلك الوثائق شهادة لضابط يدعي يرماهو يوفال، ذكر خلالها أنه "اكتشف منذ اليوم الأول للمعركة مأزق الجيش الإسرائيلي وهو يتعرض لضربات قاتلة من قبل الجيش المصري"، الأمر الذي عكس فشلا استخباراتيا وعسكريا على كل الأصعدة داخل معسكرات الاحتلال.
