في شوارع محافظة القليوبية، حيث تتناثر المساجد التي تزينها المآذن العالية والقباب المميزة، يقف فريق من العمال الذين يعملون خلف الكواليس.
هؤلاء الحرفيون يُعدّون من أكثر المتخصصين براعة في بناء المآذن والقباب للمساجد في أنحاء الجمهورية، رغم أنهم يظلون غالبًا في الظل، إلا أن أعمالهم تعد من أبرز العلامات المعمارية التي تزين المساجد المصرية.
من الصبا إلى الاحتراف: رحلة عبد الله مع المهنة
عبد الله، الذي بدأ العمل في مجال البناء منذ أن كان في العاشرة من عمره، أصبح اليوم أحد أبرز المعلمين في مجال بناء المآذن والقباب.
فعلى مدار ثلاثين عامًا من الخبرة، طور عبد الله مهاراته ليصبح أحد الحرفيين الذين يُحتذى بهم في هذا المجال.
ويشرح عبد الله آلية عملهم قائلا: كل مئذنة لها خصائصها الدقيقة، يجب أن تصمم حسب مقاييس هندسية دقيقة تواكب المعايير الفنية والدينية، فالمئذنة ليست مجرد هيكل بل هي رمز معماري يعكس هوية المسجد.
ويتابع عبد الله، موضحًا تفاصيل بناء المآذن: "تختلف الارتفاعات حسب تصميم المسجد، فمن الممكن أن تتراوح المئذنة بين 10 و60 مترًا، فبناء مئذنة يتطلب دقة في التنفيذ، وقد يستغرق من 10 إلى 30 يومًا حسب حجمها وتعقيدها".
القباب: الجمال في الأبعاد
أما بالنسبة للقباب، فهي تمثل جزءًا أساسيًا من جماليات المساجد، ووفقًا لعبد الله، القباب تأتي بأشكال عدة: مدورة أو مربعة، ويتم اختيار الشكل حسب المساحة المتاحة في المسجد.
ويقول إن القباب ليست مجرد عناصر معمارية، بل هي التاج الذي يضفي على المسجد رونقًا خاصًا، كما أنها أيضًا عنصر يعكس تناغم المسجد مع بيئته.
صناعة محفوفة بالتحديات والمخاطر
العمل في بناء المآذن والقباب ليس بالأمر السهل، فهذه المهنة تتطلب مهارة عالية ووعيًا تامًا بالمخاطر، يتعين على العمال العمل في ارتفاعات شاهقة، مما يستدعي تركيزًا شديدًا وقوة بدنية.
ولكن، رغم المخاطر التي يواجهها هؤلاء الحرفيون، فإن حبهم لهذه المهنة يظل أكبر دافع لهم، ويقول عبدالله: "رغم صعوبة العمل والمخاطر، إلا أن شغفنا وحبنا لهذه الحرفة يدفعنا للاستمرار. نحن نبني شيء خالد، لذلك لا يمكننا التراجع".
زاوية أخرى للمهنة.. التوثيق من أعلى المئذنة
ووقف المصور الصحفي أحمد حماد، في أعلى نقطة من مئذنة قيد البناء، لتوثيق هذه الصناعة الفريدة، حيث أراد أن يظهر الجهد الكبير الذي يبذله هؤلاء الحرفيون أثناء بناء المآذن، خاصة أن التصوير من هذا المكان يتيح لك رؤية التفاصيل الدقيقة والصعوبة التي يواجهها هؤلاء العمال.
فن يتجاوز مجرد العمل المعماري
بناء المآذن والقباب هو فن يتجاوز مجرد العمل المعماري؛ إنه إبداع يتطلب براعة ودقة، وحرفية لا تعرف الحدود.
وبينما يظل هؤلاء الحرفيون في الظل، فإن أعمالهم تظل منارة للثقافة والمعمار المصري، فهم ليسوا فقط بناة، بل هم صُنّاع جمال يعكس روح الإسلام في كل مئذنة وقبة، ويخلدون حضورهم في التاريخ المعماري للمساجد المصرية.