
جمال رائف
مصر دولة ذات سيادة تتحرك داخل محيطها الإقليمي والدولي، في إطار محددات القوانين والأعراف الدولية، لديها عقيدة دبلوماسية ترتكز على ثوابت تحقيق التوازن في علاقتها الخارجية واتباع الحياد الإيجابي وعدم الانخراط في الصراعات والأزمات إلا كعنصر حل يساهم في دعم المسارات السياسية كحل أمثل لتسوية المشكلات، بما يضمن الاستقرار الداخلي للدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها بما يحفظ سيادتها، ثوابت تنعكس على الأداء المصري تجاه ترسيخ مفهوم الأمن القومي الإقليمي وتحقيق السلام الشامل على المستوى الدولي، أيضا إعادة التموضع المصري داخل المجتمع الدولي منذ عام 2014 مكن القاهرة من ترتيب دوائر اهتمامتها الخارجية، بما يحقق المصلحة المصرية أولا على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية وأيضا الأمنية، بما صنع علاقات مستقرة ومتينة مع جميع الشركاء وأحدث تنافسية من الجميع على صياغة علاقات جيدة مع مصر عنوانها الأساسي تحقيق المكاسب المشتركة.
مصر جزء من المجتمع الدولي تؤثر وتتأثر بمجريات أحداثه، ومن غير المنطقي الحديث أننا بمعزل على العالم، ونحن نمتلك هذا الموقع الجوسياسي الأهم ودولاب العمل الدبلوماسي الأقدم دوليا، أما على صعيد النظام العالمي الراهن الذي تشكل عقب الحرب الباردة فهو جعل العلاقات الدولية أكثر تشابكا عبر عولمة الاقتصاد التي تظهر تاثيرتها الآن على جميع دول العالم خصوصا النامية، فرغم أن الأهداف التي أسس عليها هذا النظام الدولي تحمل قيم التعددية والتعاون الدولي إلا أن الهيمنة الاقتصادية للدول الكبرى على الاقتصاد العالمي رسخت لفكرة العالم أحادي القطب، وهذا ما يبرر هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي.
لا خلاف أن النظام الدولي يتشكل من جديد وأن نقاط الصراع بين القوى الكبرى سواء في شرق أوروبا وبحر الصين الجنوبي ومنطقة الساحل والصحراء الإفريقي والشرق الأوسط وغيرها من نقاط تؤثر بشكل كبير على قدرة الدول النامية بالتحديد على الصمود أمام هذا المتغير الدولي المركب، والذي تتمثل تبعاته في أزمات اقتصادية ومهددات للأمن الغذائي وأمن الطاقة وتنامي الإرهاب وصولا للتغيرات المناخية، التي تضاعف من تلك الأزمات.
ورغم هذه الصعوبات التي تواجه الدول النامية إلا أن الأمل متاح للمرور إلى العالم الجديد بأمان إذا تشكل لدى الشعوب النامية الوعي الكامل بطبيعة الوضع الدولي وتأثيره على الداخل المحلي، ومن هنا تأتي أهمية المشاركة الشعبية في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي المقبل، فهي أولا تثبت تنامي التجربة الديمقراطية المصرية حتى في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة وانعكاساتها على الداخل وهو ما يؤكد مضي مصر نحو تعزيز وتطوير بناءها السياسي بشكل مستمر بالتوازي مع البناء الاقتصادي والتنموي، ثانيا يعبر عن وعي وإدراك المواطن بطبيعة المرحلة الراهنة وأهمية الاستحقاق الانتخابي الرئاسي في دعم الاستقرار الداخلي لمواجهة مهددات وتحديات المتغيرات الدولية القائمة، ثالثا الاختيار الصحيح ودعم القيادة السياسية الرئيس عبدالفتاح السيسي لاستكمال الطريق في هذا التوقيت الصعب، وهو الأمر الذي يظهر بالفعل من خلال دعم مختلف الأحزاب وقوى المجتمع المدني ورجل الشارع ومع كامل الاحترام لجميع المترشحين الآخرين، إلا أن بالفعل هذا الدعم للرئيس السيسي يؤكد الفهم العام لدى الشعب المصري بأهمية الانتخابات الرئاسية المقبلة، ليس فقط علي صعيد استقرار الداخل بل أيضا على صعيد التموضع والاتزان المصري الخارجي.
نحن بصدد لحظة دولية يتماس فيها الاستقرار الداخلي للدول مع قدرتها علي تحقيق علاقات خارجية متزنة وعدم الانخراط في الصراعات الدولية أو الدخول في أي مغامرات خارجية غير محسوبة، وهي معادلة صعبة للغاية في ظل استقطاب دولي حاد من الدول الكبري تحاول من خلاله السيطرة وإخضاع الدول النامية وتحويلها لأحد أدوات الصراع، ولهذا المحافظة على الداخل يرتبط بشكل وثيق في هذا التوقيت على قدرة الدولة على إدارة علاقاتها الخارجية بحكمة واتزان.
ما تحقق خلال السنوات التسع الماضية على صعيد علاقات مصر الخارجية إنجاز هام يجب الحفاظ عليه فهو طوق النجاة من أمواج التغيرات الدولية العاتية، ولهذا يترقب العالم الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقدرة الشعب المصري على الاختيار الصحيح بما يحفظ اتزان مصر الخارجي ويضمن المرور بالجمهورية الجديدة إلى العالم الجديد بأمان.
