البث المباشر الراديو 9090
أحمد محمود
يا بنات إسكندرية.. تماثيل استوديو مصر.. هكذا يبدأ الفيلم التسجيلى استوديو مصر للمخرجة منى أسعد، بمجموعة من الأطفال تلعب تلك اللعبة، التى طالما لعبها أطفال مصريون، قبل أن تغزونا ألعاب أخرى مبرمجة ومعربة لا تستمد من هويتنا شيئًا.

يروى الفيلم قصة كفاح محموعة من عاشقى السينما المصرية، ومحاولتهم إنشاء استوديو سينما عالمى على غرار استوديوهات "هوليوود" الأمريكية، واختاروا لذلك استوديو مصر الكائن فى منطقة أهرامات الجيزة، ذلك الاستوديو الذى عانى من الإهمال طويلًا بعد تأميمه ليتحول إلى مخزن لمعدات خردة كانت وقت إنشائه تعد من أحدث المعدات.

عُرض الفيلم ضمن برنامج مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الأربعين، ويروى كيف تم افتتاح استوديو مصر فى السابع من مارس عام 1935، ليساهم فى ذلك الوقت فى دعم وتقدم السينما فى مصر، وذلك من خلال شركة مصر للتمثيل والسينما التى كانت إحدى المؤسسات العملاقة، التى انشأها الاقتصادى المصرى الكبير طلعت حرب لإنتاج أفلام مصرية لفنانين مصريين مثل أم كلثوم، محمد عبد الوهاب وغيرهم، وكيف لعب استوديو مصر دورًا عظيمًا فى إظهار كوادر جديدة فى السينما المصرية مثل صلاح أبو سيف، عندما انضم إلى الاستوديو كمساعد للمخرج كمال سليم، وظل يترقى تدريجيًا حتى أصبح رئيسًا لقسم المونتاج، والذى كان من العاملين فيه كمال الشيخ، إحسان فرغل، جلال مصطفى، وفيقة أبو جبل. وبعدها أصبح صلاح أبو سيف من الشخصيات البارزة بعد إخراجه لعدة أفلام شهيرة، منها: "دايمًا فى قلبى" والذى كان أول فيلم من إخراجه عام 1946، "الصقر" عام 1950، "الأسطى حسن" عام 1952، "الوحش" عام 1954، " شباب امرأة " 1956عام، و"الفتوة" عام 1957.

تطرح منى أسعد مخرجة الفيلم تساؤلات هامة حول صناعة السينما فى مصر، حيث صرحت فى أثناء النقاش بعد الفيلم، إن فكرة العمل جاءت قبل أن يهاجر أحد الزملاء الذين شاركوا فى تأسيس الشركة والذين أسهموا فى تأسيس استوديو مصر الجديد خارج البلاد، حيث بدأت تصوير جزء من الفيلم فى أثناء تسلم الشركة لاستوديو مصر فى عام 2000، لتوثيق عملية تسلم الشركة للمكان، ثم قررت تحويله إلى فيلم تسجيلى يروى فيه كريم جمال الدين وشريكه على مراد أصحاب الشركة التى سعت لتأجير الاستوديو، كيف حدثت مغامرة تأجير هذا الاستوديو العتيق، لمدة 20 عامًا مقابل 45 مليون جنيه بغرض التملك.

وبعيدا عن تفاصيل العمل الفنى نفسه ومن شاركوا فيه، تظل قصة الإهمال التى تعرض لها هذا الصرح الفنى بعد تأميمه هى الأكثر إيلامًا، وخاصة حين روى على مراد، قصة المبنى المهجور الذى ضم نحو 700 فيلم نيجاتيف نادر من تراث السينما المصرية، تُركوا بلا مبالاة وبكل إهمال فى مكان لا يصلح لتخزينهم لسنوات طويلة، وأن إدارة الاستوديو التى تسلمته بعد التأميم وحتى تأجيره، كانت غير عابئة بهذا التراث، ولم تهتم بحمايته من التلف أو الضياع، أو كان لديها أرشيف يثبت وجود هذه الأفلام النادرة، وهو ما يعيد فتح ملف السينماتك المصرى مرة أخرى، ويطرح التساؤلات عن ما تم حتى الآن فى هذا المشروع الضرورى جدًا لحفظ تراث مصر السينمائى الذى يقترب من الخمسة آلاف فيلم.

أدعو وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم لمشاهدة فيلم استوديو مصر إن لم تكن قد شاهدته بالفعل، بل وأدعو رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى لمشاهدته ايضًا، وأنا أظن أنه يدرك مثلنا تمامًا أهمية المشروعين، مشروع استوديو مصر ومشروع السينماتك، وأن السينماتك المصرى أمر لا يقل أهمية عن مشروعات الإسكان والتنمية التى يشرف عليها بنفسه، إذ إن السينما هى المجال الحقيقى لتنمية العقول، وتراث السينما يشكل نقطة هامة فى حضارة تلك الأمة، من أجل ازدهار المدنية المصرية، بل والمساهمة فى دعم اقتصاد الدولة، تمامًا كما تفعل استوديوهات شهيرة فى دول كثيرة من حولنا.

نعلم جميعًا أن مصر حققت ازدهارًا وتطورًا مدنيًا من قبل، كان ولا زال فخر المنطقة العربية كلها، جاء هذا الازدهارعلى إثر نهضة سينمائية وثقافية كبير، من قبل قيام ثورة يوليو وحتى بداية الانفتاح، ذلك الانفتاح الذى تسبب فى تراجع كبير فى الحياة الثقافية فى مصر، بما شهده المجتمع وقتها من أفلام مقاولات ومسرحيات ومسلسلات هزلية لا قيمة لها، هذا التراجع الذى أثر بدوره على كل شىء، وأنتج ثقافة استهلاكية سريعة غثة لا قيمة ولا وزن لها.

أعتقد أن الدولة المصرية تدرك أن ازدهارها وتطورها، سوف يكون أسرع وأقوى وأكثر ثباتًا وقوة بزيادة الوعى الثقافى، وأن اهتمامها بالمشروعات الثقافية بات أمرًا شديد الأهمية، إذ أن تلك المشروعات تسهم فى بناء الشخصية المصرية الواعية، جنبًا إلى جنب مع بناء المدن الجديدة، وهو ما أرجو أن يكتمل بالاهتمام بمشروع السينماتك المصرى، واستقرار مشروع استوديو مصر، وافتتاح استوديوهات أخرى مثله على غرار الاستوديوهات العالمية.

 

تابعوا مبتدا على جوجل نيوز




آخر الأخبار